كم تبدو اللحظات قاسية على قلب باسمة نصار، وهي تستلم شهادة وفاة ابنتها الوحيدة "تسنيم" في ذكرى يوم ميلادها الذي كان بمثابة إشراقة فَرح على عائلتها، لتبكي هذه الأم وجع الفقد طوال الشهور الماضية كأنها لم تبكِ من قبل.
تسنيم شحادة (17 عامًا) فتاة فلسطينية لم يُمهلها الاحتلال كثيرًا لإكمال حلمها في دراسة الرياضيات بالجامعة، إذ قتلها برفقة والدها واثنين من أشقائها في غارةٍ استهدفت منزلهم في مخيم الشاطئ غرب بمدينة غزة في كانون ثاني/ يناير الماضي.
منذ ذلك الحين كانت ترش "باسمة" على الجرح مِلح وتسعى لاستخراج شهادات وفاة لزوجها وأبنائها من الجهات الحكومية ذات الصلة، تقول لـ "وكالة سند للأنباء" إنّ الأمر تعثر مرات ومرات، ولطالما تأجل إصدار الشهادات لأسباب لا أعلمها، كنت أقول في نفسي لعله خير حتى جاءتني يوم ذكرى ميلاد ريحانة البيت تسنيم".
في صباح يوم الرابع من آب/ أغسطس 2024، كانت "باسمة" شاردة الذهن، تتخيل فلذة كبدها وقد اجتازت مرحلة الثانوية العامة بتميّز كما عودتهم، وتتحضر بكل حماس للمرحلة الجامعية(..) ارتسمت ابتسامة وادعة على ملامحها، لكن في لحظة حقيقية من الواقع المرّ، قُلبت الموازين "جاء أخي وسلّمني شهادات الوفاة".
لم تتمالك هذه الأم المكلومة دموعها وهي تحكي لنا عن شعورها في تلك اللحظة: "انهارت كل قوايّ وأنا أستلم شهادات الوفاة في يوم كان مفاتحًا لفرح عائلتنا الصغيرة، مش بقولوا البنات زينة الدنيا؟ وهكذا كانت تسنيم بحياتنا".
تقيس وجعها في ذلك اليوم فتجد أنّ كل شهور فقدهم في كفّة، وهذه اللحظات في كفة أخرى: "بكيت فقدهم كأني لم أبكِ من قبل! تألمت كثيرًا وانفتح جرحي من جديد، للحظة تمنيت لو أنني مت قبل هذا المشهد".
تستدرك ضيفتنا بنبرة هادئة: "ليس سخطًا فأنا راضية عن أقدار الله منذ اللحظات الأولى لاستشهادهم" ثم تتابع حديثها: "لكنه الحزن والعجز، فأنا كنت أحتفط بتواريخ ميلادهم كسلوى تُعين قلبي المفجوع على مصابه، لكن هذه الحرب آلمتنا كثيرًا ولم تترك لنا أي ذكريات جميلة، حتى بيوتنا هدموها".
وتُخبرنا أنّ الرابع من آب لطالما كان يومًا مميزًا يزيد فيه دلال "تسنيم" على والديها بما لذ وطاب من الهدايا، كما أنها كانت كلما كبرت سنة، كبرت أحلامها معها "كان يوم استثنائيًا يشع بالبهجة في حياتنا، كيف صار باهتًا إلى هذا الحد؟".
وتتمسك باسمة نصار بالبقاء في مدينة غزة مع طفليها اللذين نجيا من الموت بأعجوبة لحظة قصف منزلهم، رافضةً النزوح إلى الجنوب؛ رغم المجاعة التي تتفشى في شمال القطاع، والأوضاع الميدانية الصعبة.