لم يكن فجر اليوم الأول من شهر رمضان الماضي عاديا على سكان قطاع غزة الذي يرزح تحت حرب إبادة جماعية تشنها آلة حرب الاحتلال الإسرائيلي، كما كان فجرا قاسيًا على الشاب ياسر عبد الفتاح (25 عاما)، الذي قتل الاحتلال عائلته وهي تتناول سحورها الأول في الشهر الفضيل.
كان حوارا ثقيلا على قلب الشاب المكلوم، رغم مرور5 أشهر على استشهادهم في الحادي عشر من شهر مارس/ آذار الماضي، يتجرع ألم فقدانهم منذ ذلك الوقت.
يبدأ "عبد الفتاح" حديثه لـ "وكالة سند للأنباء" بالقول: "كانت عائلتي تتجهز لتناول طعام سحور اليوم الأول من رمضان، أكملت عائلتي سحورها بالجنة.. استكثر الاحتلال عليهم تلك اللقيمات".
ويتابع: "عانت عائلتي من المجاعة التي فرضها جيش الاحتلال على سكان شمال قطاع غزة، وبالكاد استطاعت جمع القليل من الأطعمة المتوفرة، استعداد لصيام شهر رمضان، لم يكن الصيام جديدا عليهم، كان مفروضا عليهم من عدة أشهر".
مرّت خمسة أشهر عجاف على شمال القطاع ومن ضمنهم عائلة "عبد الفتاح"، عانوا فيه من مجاعة مازالت حتى الآن تفتك بهم وخذلان ونزوح وأصناف شتى للموت، أجبر ضيفنا خلالها على ترك عائلته، والنزوح لجنوب القطاع رفقة زوجته وطفليه، ولكن عائلته أصرت على البقاء رغم معاناتهم.
ويروي لنا: "في الليلة التي سبقت قصف بيت أهلي اتصلت بهم.. كانوا سهرانين وعدت أمي بأن تخطب لأخي يوسف، فرد عليها، أنا عرسي راح يكون في بلدتنا بيت داراس.. إن شاء الله عرسه بالجنة".
ويكمل: "أما والدتي، كانت معلمة ومربية أجيال، كانت نعم الأم والمرشدة لنا، يرافقها هدوء وابتسامة دائمتين في محياها، وأطفالي دائما يرمون أنفسهم في حضنها عند ذهابنا لزيارتها.. رحيلها أوجعني".
ويفتقد "عبد الفتاح"، أخاه الأكبر أحمد الذي استشهد برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة، ويحدثنا: "أخي أحمد كان رفيقي، كنت أستشيره في معظم أموري الحياتية، كان صاحب رؤية وتجربة رغم أنه لم يتخطى الثلاثين من عمره".
ويُردف: "اشتقت لأخي أحمد عندما كان يأتي ليستشيرني بموضوع، وما يعجبه رأي ويضل ساعة يقنعني برأيه.. اشتقت أن نتجمع على مائدة الفطور صباحا لدى والدتي ونطلع سوا على الشغل".
كان عبد الفتاح يحدث نفسه بأن الأمور ستعود إلى طبيعتها في اليوم التالي للحرب، ويقول: "سنعود لبيتنا وسفرة والدتي اللذيذة، كنت أخبر نفسي أن الكل سيعود، ولكن رحيلهم، صفعني بوهم ما كنت مقتنع فيه وبحقيقة ما ينتظرني حتى لو توقف الموت في بلادي".
ويستطرد" حرمني الاحتلال من وداع عائلتي دفنوا تحت التراب، أمي الغالية وأخي الكبير أحمد وزوجته وأولاده، وأخي الغالي يوسف، وأخي الصغير عمر، وابن عمي أحمد وزوجته وابنه، وأخيه أنس وأخته رغد، وزوجة عمي".
وتسببت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة في إبادة عائلة بأكملها ومحوها من السجل المدني.
وخلفت حرب الإبادة الجماعية 41 ألفًا و118 شهيدًا، إلى جانب 95 ألفًا و125 مصابًا بجروح متفاوتة؛ بينها خطيرة وخطيرة جدًا، منذ الـ 7 من أكتوبر الماضي.