تحت ظروف الحرب القاسية في خانيونس، نشأت فكرة خيمة تحفيظ القرآن كاستجابة عملية لحاجة المجتمع في وقتٍ فقد فيه الناس الكثير من مقومات الحياة. وسط الفقر، الدمار، والتهجير، ظهرت هذه الخيمة كملاذٍ يهدف إلى تقديم شيء أكثر من مجرد تحفيظ آيات؛ إنها محاولة للحفاظ على ما تبقى من الهوية الثقافية والدينية في بيئة يتآكل فيها الاستقرار يومًا بعد يوم.
فكرة إنشاء خيمة "غرس القرآنية" وسط الحرب لم تكن سهلة أو تلقائية، بل جاءت كرد فعل على واقع مرير. الأطفال الذين باتوا بلا مدارس أو بيئة تعليمية آمنة، والفتيات اللواتي عانوا من الفراغ، وجدوا في هذه الخيمة مساحةً تجمع بين التعليم الديني والدعم النفسي.
وفي مقابلة خاصة مع "وكالة سند للأنباء"، تحدثت نغم سامي اليازجي عن رحلتها في إنشاء هذه الخيمة التي لم تكن مجرد مكان لتحفيظ القرآن فحسب، بل ملاذًا يضم الأطفال والفتيات ممن فقدوا بيئتهم التعليمية، ليمنحهم الأمل والدعم النفسي وسط ظروفٍ قاسية.
تستهل "اليازجي" حديثها، "أنا خادمة استعملني الله في سبيل تثبيت كتابه الكريم، من خلال عملي في خيمة "مركز غرس لتحفيظ القرآن"، أسعى جهدًا لغرس معاني القرآن الكريم وقيمه في قلوب طالباتي، آملةً في صنع جيل يحبه الله ويرضاه".
وتضيف: "أقضي يوميًا حوالي سبع ساعات في الخيمة، من الثانية ظهرًا حتى التاسعة مساءً، أتنقل بين تحفيظ الطالبات بجميع أعمارهنّ، وسرد القرآن للراغبات في التثبيت، وبفضل الله، تمكنت من تخريج ما يقارب المئة طالبة استطعن سرد جزء أو أجزاء عديدة من القرآن".
وعن طبيعة الفكرة، توضح "اليازجي"، "بدأت العمل في الخيمة حينما رأيت الأطفال والطاقات غير المستغلة من حولي، وسمعت شكاوى الناس من ظروف الحرب، فدفعتني تلك الأوضاع لاتخاذ خطوة غرس القيم القرآنية".
وتنوّه: "البداية صعبة للغاية، فقد واجهنا تحديات في كل شيء، بدءًا من الحصول على خيمة للتحفيظ، ولكن بفضل الله الذي يسّر الأمور، أرسل لنا من يعيننا في مسيرتنا".
وتُكمل "ضيفة سند"، "التحديات التي نواجهها الآن تشمل الحر الشديد في الخيمة، وصعوبة توفير مكافآت للساردات وتحفيزات للأطفال، بالإضافة إلى تأمين المصاحف، ونواجه أيضًا تحديات في التغيب بسبب الأمراض المنتشرة، وحالة الطالبات النفسية التي تأثرت بأوضاع الحرب، مما يجعل تحسينها أمرًا صعبًا".
وتروي: "في خيمتنا، نوفر تحفيظ القرآن للكبار والصغار، وتثبيت للحافظات، ودورات تجويد، بالإضافة إلى أنشطة ترفيهية لتشجيع الأطفال الحافظات، ولقاءات وعظ أسبوعية للنساء تهدف إلى تعزيز عزائمهنّ وتوعيتهنّ بكيفية التعامل مع مخلفات أدوات الحرب".
وتضيف "اليازجي"، "أحرص على تنظيم الدروس والمحاضرات داخل الخيمة بطريقة تسمح للطالبات باستثمار أوقاتهنّ بما يعزز من قدرتهنّ على الاستمرارية، وبالنسبة للنازحات، يرون في دروس الوعظ متنفسًا لهنّ من ضغوط الحياة اليومية، ويتفاعلن بحماس مع الأنشطة المقدمة".
وتستطرد: "لقد ألهمتني قصص الطالبات اللواتي استطعن حفظ وسرد أجزاء من القرآن رغم الظروف الصعبة. حتى النزوح لم يعرقل هممهنّ، إذ استمررن في التسميع إلكترونيًا رغم التحديات".
وتُعبر ضيفتنا: "دعم الخيمة يعتمد على مساعدات متفرقة وغير مستمرة، مما يجعل توفير الموارد اللازمة تحديًا كبيرًا. نحن بحاجة ماسة إلى دعم إضافي لمواصلة تقديم المكافآت والحوافز للطالبات والساردات".
وتأمل "اليازجي" أن تتمكن في المستقبل من تنظيم مسابقات لتحفيز الطالبات على الاستمرار، وتطمح في مكافأة أفضل ساردة بعمرة. هدفها الأسمى هو بناء جيل واعٍ ومتمسك بقيم دينه، قادر على التفكير المستقل وتحدي المفاهيم المغلوطة.