أقرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بأن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار تحول إلى أيقونة مقاومة خالدة بعد استشهاده قبل أيام وهو يقاوم جيش الاحتلال الإسرائيلي في خطوط المواجهة الأمامية في قطاع غزة.
وأكدت الصحيفة أن طريقة استشهاد السنوار "ليس في عمق نفق، أو فرارًا من غزة، كما اشتبه كثيرون من الإسرائيليين- بل في مواجهة مع جنود إسرائيليين جنوب القطاع منحته وحركة حماس المزيد من الشعبية.
وذكرت الصحيفة أن السنوار الذي ظهر في مقطع فيديو قصير بثه الجيش الإسرائيلي، كان يبدو مصابًا بجروح خطيرة، لكنه ظل يقاوم حتى أنفاسه الأخيرة، بما في ذلك تحدي طائرة استطلاع إسرائيلية.
فضلا عن ذلك فإن استشهاد السنوار والنعي واسع النطاق له في الدول العربية والإسلامية، فضح أنظمة التطبيع العربية وعرضها لإحراج شديد أمام شعوبها، بحسب ما أكدت الصحيفة الأمريكية.
وضع حساس لدول التطبيع
يقول المحللون إن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين، السعودية والأردن ومصر، في وضع حساس بشكل خاص، إذ تتعاطف قطاعات كبيرة من سكان هذه الدول مع القضية الفلسطينية إن لم يكن حماس نفسها، في حين صنفت حكوماتها الحركة في بعض الأحيان كجماعة إرهابية.
وقال معين رباني، الزميل غير المقيم في مركز دراسات الصراع والإنسانية، "إن طريقة استشهاد السنوار تضع هذه البلدان في موقف حرج في وقت حساس. كانت مواقف الناس تجاه حكوماتهم، لم تتمكنوا من تحقيق أي شيء من خلال الدبلوماسية، في حين أن حركات أضعف بكثير منكم مثل حماس وحزب الله تسبب الحزن والضرر لإسرائيل".
وأضاف ي "إنهم ينتقدون عدم وجود استراتيجية فعالة لقادتهم ويعتمدون على الولايات المتحدة وأوروبا لوضع حد لهذا، وهو ما يشعرون أنه اعتراف بالعجز".
وهذا المأزق يفسر لماذا استجاب اللاعبون الإقليميون لاستشهاد السنوار بطرق مختلفة للغاية.
إذ على سبيل المثال استخدمت السعودية نفوذها على الذراع الإعلامية للبلاد لوصف السنوار ب"الإرهابي"، مما أثار موجة من الاحتجاجات، بما في ذلك تخريب مكاتب قناة سعودية في العراق، وفقًا لمسؤولين سعوديين.
المسؤولون من مصر والأردن - وكلاهما تربطهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل والأخيرة لديها عدد كبير من السكان الفلسطينيين - ظلوا صامتين في الغالب علنًا.
قال رباني: "إنهم يبذلون قصارى جهدهم لعدم إصدار رد مباشر على هذا الموضوع".
رمز للمقاومة
قالت وول ستريت جورنال إن الارتفاع الهائل في الدعم الشعبي للسنوار وحماس في الشرق الأوسط، والذي ظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض المظاهرات في الشوارع، قد لا يرتبط كليا بهوم طوفان الأقصى في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023.
بل إنه بحسب الصحيفة، يعكس رمزية قرار السنوار بالبقاء في غزة من أجل الحرب بدلاً من إدارتها من الخارج، إذ أنه "لم يهرب وكان يقاتل وهو ما يشكل فرقًا بالنسبة للناس في العالم العربي".
كما أن طريقة استشهاد السنوار دحض الرواية الإسرائيلية بشأن تخليه عن شعب غزة وتحصنه بالأنفاق مع الأسرى الإسرائيليين.
ويشعر كثيرون أن "إسرائيل" لا تستطيع أن تتظاهر بأن استشهاد السنوار لا يمثل إنجازا كبيرا "لأن قتله لم يكن مخططا له أو تم من خلال استخدام الاستخبارات".
واعتبرت الصحيفة أن لقطات الطائرات بدون طيار التي نشرتها "إسرائيل" تشكل عنصرا أساسيا في هذا التحول في المشاعر تجاه السنوار، كما قال جيرشون باسكين، المفاوض الإسرائيلي السابق في قضية الأسرى والذي يشغل الآن منصب مدير الشرق الأوسط في منظمة المجتمعات الدولية.
ويظهر الفيديو مبنى متضررًا بشدة ومليئًا بالغبار والحطام والأسلاك المكشوفة والأثاث المتناثر، كما يظهر رجلاً، قال الجيش إنه السنوار، جالسًا بلا حراك وظهره إلى الطائرة بدون طيار، على كرسي، ووجهه مغطى بقطعة قماش.
وقد بدا أن ذراعه مصابة بجروح خطيرة، ثم فجأة رفع قطعة من الخشب على الطائرة بدون طيار، محاولاً إسقاطها.
وانتهى الفيديو الذي قدمه الجيش عند هذه النقطة، فيما استشهد السنوار عندما أطلقت دبابة النار على المبنى بعد ذلك بوقت قصير.
مصدر إلهام
قال مسؤول عربي كبير مشارك في مفاوضات وقف إطلاق النار إنهم فوجئوا بنشر إسرائيل للقطات، حيث يمكن أن تساهم في استمرار التحدي بين الجمهور الفلسطيني وكذلك المقاومين في غزة.
وقال باسكين، المفاوض الإسرائيلي السابق، إن "إسرائيل" لم تبد أنها تأخذ في الاعتبار كيف يمكن لنشر لقطات الطائرة بدون طيار أن ينشط ليس فقط الجمهور الفلسطيني ولكن أيضًا جزءًا كبيرًا من المنطقة.
وأضاف باسكين "إن النظام السياسي الإسرائيلي لا يدرك على الإطلاق الرسالة التي يريد توجيهها إلى العالم العربي، ولا يكترث بها. إن نتنياهو يروج لنفسه ويسعى إلى بقائه السياسي ويقول: أنا البطل".
والسؤال الذي يقلق الحكومات في مختلف أنحاء المنطقة هو كيف تتصرف إذا حدثت زيادة في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تحثها على اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه "إسرائيل".
واعتقلت السعودية، التي تحظر فعلياً أي شكل من أشكال الاحتجاج، أشخاصاً بشكل متقطع لتظاهرهم من أجل القضية الفلسطينية وهم يحملون أعلاماً فلسطينية على مدار العام الماضي، وفقاً لمسؤولين سعوديين.
وقال المسؤولون إن المملكة، التي تسعى إلى تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، تشعر بالقلق من أن الدعم للفلسطينيين قد يشعل الاضطرابات السياسية ويؤدي إلى تطرف الشباب السعوديين.
واعتقلت مصر، ما لا يقل عن 120 شخصًا في الأشهر الأخيرة لاحتجاجهم دعمًا للفلسطينيين، خوفًا من أن تتحول الاحتجاجات الصغيرة بسرعة إلى حركة تدعو إلى تغيير الحكومة في القاهرة، وفقًا لمسؤولين مصريين.
ومع ذلك، فإن الضغوط تتزايد، فقد أدلى بعض الزعماء الدينيين بتصريحات أشادوا فيها بالسنوار ووصف مفتي عمان قائد حماس بأنه زعيم بطل وقال في بيانه: "طوبى له لأنه مات وهو يتقدم للأمام دون أن يتراجع أثناء القتال".
وأصدرت مؤسسة إسلامية مصرية مؤثرة، جامعة الأزهر، بيانًا قويًا في أعقاب استشهاد السنوار، أشادت فيه بالمقاومة الفلسطينية وانتقدت وصف المشاركين فيها بالإرهابيين، كما انتقدت الدول العربية التي تدعم دولة الاحتلال.