قال موقع Middle East Eye البريطاني إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه ساعة الحسم بشأن مصير حكومته وقد يجد نفسه عاجزا عن الحفاظ على ائتلافه الحاكم في ظل التطورات الداخلية والخارجية، مما قد يدفعه نحو انتخابات مبكرة.
وذكر الموقع أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي تم التوصل إليه عشية تنصيب دونالد ترامب، يعكس الأولوية القصوى لهذا الاتفاق بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي.
ولكن في "إسرائيل"، أثارت الصفقة جدلاً حاداً، حيث أبدى الساسة اليمينيون المتطرفون تحفظهم إزاء احتمالات التوصل إلى اتفاق.
فقد وصفت وزيرة المستوطنات أوريت ستروك، التي دعت إلى احتلال غزة على المدى الطويل، صفقة التبادل بأنها "مكافأة"".
وذكرت تقارير أن معارضة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عطلت الموافقة النهائية على الاتفاق، في حين استقال وزير الأمن القومي إيتامار بن جفير بسبب ما أسماه "صفقة الاستسلام".
وفي اجتماع عقده مؤخرا مع سموتريتش، أكد نتنياهو أن "إسرائيل" يجب أن تضمن استمرار دعم ترامب، وأنه من المحظور تماما الإضرار بالعلاقات مع الرئيس الأمريكي.
ويبدو أن موقف نتنياهو يتوافق بشكل متزايد مع موقف الجيش الإسرائيلي الذي ذهب منذ أشهر بضرورة وقف إطلاق النار في ضوء العدد المتزايد من التكلفة الباهظة للجيش.
والسؤال المركزي هنا هو ما إذا كان نتنياهو سوف يعطي الأولوية في نهاية المطاف لمصالح الأمن القومي لبلاده أم أنه سوف يستسلم لتهديدات بن جفير وسموتريتش وستروك، الذين يمارسون نفوذا كبيرا داخل الحركة الصهيونية الدينية.
ومن المرجح أن يأمل نتنياهو في تثبيت استقرار ائتلافه من خلال هيكلة الصفقة على مراحل.
ديناميكيات التحول
سوف تكشف الأيام المقبلة ما إذا كان اليمين المتطرف الإسرائيلي سيرى رهانه على ترامب يؤتي ثماره، أو ما إذا كانت عودته إلى البيت الأبيض ستمثل بداية النهاية لأحلامهم في القضاء على القضية الفلسطينية وضم الضفة الغربية ــ جوهرة التاج في مشروعهم الاستعماري الاستيطاني، المتجذر في أيديولوجية مسيحية توراتية.
فقد تبرع أنصار هذه الكتلة من الأميركيين الأثرياء بملايين الدولارات لحملة إعادة انتخاب ترامب، على أمل أن يدعم ضم الأراضي.
ومع ذلك، فإن اختيار ترامب لصقور "إسرائيل" لإدارته لا يمنعه من تغيير مساره في ظل الديناميكيات الإقليمية المتغيرة.
وبعد انتخاب ترامب، حذر زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان من أن ائتلاف نتنياهو لن يكون قادرا على التوفيق بين سياساته الخاصة وسياسات إدارة ترامب، مشيرا إلى أن نتنياهو قد "ينقلب على ائتلافه" إذا كان هذا هو السبيل الوحيد للاحتفاظ بالسلطة.
واستند هذا التحليل إلى الأولوية الحزبية الأميركية لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال وهي الخطوة التي تتوقف على إقامة دولة فلسطينية كما هو موضح في مبادرة السلام العربية لعام 2002.
وإذا تم اتباع هذا المسار، فسوف يعني ذلك نهاية الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو وتحطيم طموحات اليمين المتطرف.
وقد أعلن سموتريتش بالفعل أن عام 2025 هو عام فرض "السيادة" الإسرائيلية على الضفة الغربية - أي الضم الفعلي. ومع ذلك، يمكن إحباط مثل هذه الطموحات إذا سادت جهود التطبيع واحتل تشكيل الدولة الفلسطينية الأولوية على الأجندة الإقليمية.
ورغم اعتماد اليمين الإسرائيلي على ترامب، فإن أولوياته الحالية تختلف عن تلك التي هيمنت على ولايته السابقة ــ ليس بالضرورة بسبب تحول في وجهة نظره، بل بسبب التغيرات الإقليمية والدولية.
فقد تراجع بشكل كبير الدور الاستراتيجي والنفوذ الإسرائيلي، الذي كان مستغلا بشكل كبير في اتفاقيات إبراهيم و"صفقة القرن".
كما تراجعت فكرة تشكيل تحالف عسكري إقليمي إسرائيلي عربي. وهذا التضاؤل في النفوذ، إلى جانب الأزمات الداخلية التي تعيشها "إسرائيل"، لا يمنح ترامب، الذي انتقد سياسات نتنياهو في السابق، أي حافز لبناء أجندته على الأولويات الإسرائيلية.
عدم الاستقرار الداخلي
أصبحت أولويات المنطقة العربية، وخاصة دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، تتركز بشكل متزايد حول مصالحها الاستراتيجية في السعي إلى إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
ولتحقيق هذه الغاية، تعمل هذه الدول على الاستفادة من أدوارها في التجارة العالمية، واحتياطياتها من النفط والغاز، وجهودها الرامية إلى استقرار التوترات الإقليمية.
وتُنظر تلك الدول إلى سياسات "إسرائيل" على أنها تهديد شامل للأمن القومي العربي، ولا يستطيع أي رئيس أميركي أن يتجاهل هذه الديناميكيات.
وعلى الصعيد المحلي، وبينما يكافح نتنياهو لإنقاذ مسيرته المهنية، تواجه الأحزاب الصهيونية الدينية أيضا انقسامات.
ومن بين علامات ذلك معارضة عضو حزب القوة اليهودية ألموغ كوهين لموقف حزبه بشأن ميزانية الدولة، إلى جانب الاستياء المتزايد داخل حزب الصهيونية الدينية تجاه زعامة سموتريتش.
كما يدرك نتنياهو أن التحالف بين هذه الأحزاب والفصائل الحريدية المتشددة أصبح غير مستقر على نحو متزايد.
فقد دعا عضوان من حزب شاس مؤخرا إلى إجراء تحقيق رسمي في إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ــ وهو أسوأ مخاوف نتنياهو.
ورغم التراجع عن هذه الدعوات في وقت لاحق وسط ضغوط من جانب الحزب، فإن الحادث يعكس شكوكا أوسع نطاقا بشأن قدرة التحالف على البقاء.
باختصار، قد تؤدي أولويات ترامب إلى نهاية حكم نتنياهو. فقد يجد الزعيم الإسرائيلي نفسه عاجزاً عن الحفاظ على ائتلافه الحاكم في ظل التطورات الداخلية والخارجية، مما قد يدفعه إلى انتخابات مبكرة، وهو ما قد يدفع زعماء آخرين في الليكود إلى التحرك ضده.
ويبدو أن مستوى القلق بين أقصى اليمين الإسرائيلي بشأن ولاية ترامب الجديدة يفوق التفاؤل الذي ساد في السابق.
وفي حين لا يستطيع الفلسطينيون والعرب الاعتماد على تغير ترامب، فإنه مع ذلك مضطر إلى تكييف سياساته مع الديناميكيات المتطورة في المنطقة والعالم.
إن العامل الحاسم بالنسبة لترامب قد يكون إرساء موقف إقليمي موحد يحظى بدعم دولي بشأن إقامة دولة فلسطينية.
ورغم أن هذا لن يدفع الولايات المتحدة على الأرجح إلى الدفع نحو إنشاء دولة فلسطينية، فإنه قد يجبرها على منع الضم الإسرائيلي للضفة الغربية ووقف الإبادة الجماعية في غزة بشكل دائم.
ومع ذلك، وبغض النظر عن خيبة الأمل المحتملة التي قد يشعر بها اليمين الإسرائيلي تجاه ترامب، فإن واشنطن ستظل، في جوهرها، الداعم الأساسي والأكثر ثباتا للعدوان الإسرائيلي.