ما تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تُمعن في حملتها العسكرية على مخيمات شمال الضفة الغربية، مُركزةً عدوانها على مخيمات مدينتي جنين وطولكرم، تحت غطاء توسعة الطرق وفتح ساحات جديدة في داخلها؛ تساعدها في اقتحام المخيمات في أي وقت تشاء.
ويتعرض مخيم جنين لعدوان عسكري واجتياح لليوم الـ 30على التوالي، بينما واصلت قوات الاحتلال تعزيزاتها العسكرية لتجريف وتدمير المنشآت المدنية والبنية التحتية في مدينة طولكرم لليوم الـ 24، مخلفةً دماراً هائلاً وعشرات الشهداء.
ذرائع واهية..
ففي جنين؛ بدأت سلطات الاحتلال سياسة استهداف وتدمير عشرات المنازل ونسفٍ كاملٍ لأحياء عدة؛ هُجّر بموجبها قرابة ست آلاف شخص حتى اللحظة.
وعلى إثر ذلك حذر رئيس بلدية جنين محمد جرار، من كارثة إنسانية غير مسبوقة في المدينة ومخيمها؛ نتيجة عمليات التدمير والتهجير القسري التي تنفذها قوات الاحتلال بذريعة توسعة الطرق وتحسين البنية التحتية.
وأفاد "جرار" في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء" أن هذا العدوان تسبب بتدمير أكثر من 100 منزل بالكامل، ما أجبر ما يزيد عن 15 ألف مواطن على النزوح وترك ممتلكاتهم وحياتهم التي بنوها على مدار سنوات طويلة.
وأشار في مطلع حديثه إلى أن 35% من أحياء المدينة تعاني من انقطاع المياه نتيجة تدمير خطوط الإمداد، فيما تواجه أربعة مستشفيات من أصل خمسة نقصًا حادًا في المياه، ما يفاقم معاناة المرضى والجرحى.
ويتفق رئيس بلدية جنين السابق نضال العبيدي مع "جرار"؛ حيث أكد الأول على تدمير الاحتلال لقرابة 20% من منازل مخيم جنين بشكل كلي؛ بينما بات قرابة 6 آلاف شخص من سكانه بدون مأوى؛ نتيجة عمليات الدمار التي طالت المخيم خلال السنوات القليلة الماضية.
وبيَّن "العبيدي" لـ"وكالة سند للأنباء"، أن الاحتلال يواصل تفجير وتدمير المنازل في المواطنين؛ خلفا لحي كامل مكون من عشرين منزل نسفه بشكل كلي قبل أيام في جنين.
وأوضح "العبيدي" أن عمليات التدمير والنسف تأتي في سياق مخطط يهدف لتدمير نصف المخيم؛ وتهجير سكانه.
ورأى ضيفنا أن عمليات الهدم الفردي في جنين غير مسبوقة؛ وهو الأكبر منذ العام 2002؛ إبان حملة ما تسمى بـ"السور الواقي"؛ التي دمر فيها الاحتلال المخيم.
ولفت "العبيدي" إلى أن الهدف يقضي بفتح ساحات في المخيم وشق طرق عريضة؛ ليتسنى لجيش الاحتلال اقتحامه بسهولة وبدون أي عوائق جغرافية او ديمغرافية في المخيم.
وهذا ما أكده "جرار" كذلك، معتبراً هذه الإجراءات ليست مجرد عمليات عسكرية، بل تأتي ضمن سياسة ممنهجة ونية مُبيَّتة تهدف إلى تفريغ المخيم من سكانه وطمس هويته.
وشدد "جرار" و "العبيدي" على تمسك أهالي جنين بأرضهم وإعادة بناء ما دمره الاحتلال، داعين جميع الجهات الإعلامية والسياسية والإنسانية إلى تقديم الدعم لوقف هذه الكارثة قبل فوات الأوان.
وطالبا المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات، وإلزام "إسرائيل" باحترام القانون الدولي والإنساني، كما دعا إلى فتح تحقيق دولي مستقل في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
عمليات ممنهجة ومُبيتة..
أمّا في طولكرم، فيقول فيصل سلامة منسق القوى والفصائل في المحافظة؛ إن سلطات الاحتلال أبلغت أصحاب 14 منزلا بهدم بيوتهم؛ بذريعة توسعة الطرق.
وأوضح "سلامة" لـ"وكالة سند للأنباء" أن عمليات الهدم هذه تضاف لسلسلة عمليات هدم نفذها الاحتلال خلال الاجتياح؛ مسح بموجبها مئات الوحدات السكنية؛ بذريعة توسعة الطرق.
وبيَّن أن توسعة الطرق هي الحيلة الإسرائيلية الجديدة؛ التي تريد من خلالها تهجير المئات بل الآلاف من أبناء المخيمات؛ ودفعهم للسكن في خارجه.
وكانت اللجنة الإعلامية في مخيم طولكرم قد أفادت في بيان سابق لها، بتدمير جيش الاحتلال أكثر من 585 منزلاً ومنشأة في المخيم بعد إخراج الأهالي من منازلهم عنوة والتنكيل بهم، إضافةً إلى تدمير جميع المرافق العامة والبنية التحتية للمخيم.
من جهته؛ قال نهاد الشاويش رئيس اللجنة الشعبية في مخيم نور شمس بطولكرم؛ إن الاحتلال هدم العشرات من المنازل بالمخيم؛ ليصل المواطن بقناعة استحالة سكنه وعيشه فيه.
وأضاف الشاويش في حديث خاص لـ"وكالة سند للأنباء"؛ أن الفكرة الرئيسية للهدم هو تحويل المخيم لمنطقة غير صالحة للسكن وتفريغه من السكان؛ وصولا لهدمه بالكامل.
وذكر أن هدم المخيمات هو الهدف الإسرائيلي المرحلي ولم يعد الاستراتيجي؛ لما يمثله من عنوان في فكرة العمل الثوري.
وشدد "الشاويش" أنّ الهدم طال مناطق كاملة؛ ومسح مربعات سكنية بشكل كامل؛ مضيفاً "ولهذه اللحظة لا يزال ممنوعا علينا الوصول للمخيم؛ لمعرفة ما يجري".
وتستخدم قوات الاحتلال الجرافات الثقيلة والتفجيرات العشوائية في تدمير منازل الفلسطينيين، ما أدى إلى نزوح عشرات العائلات وتدمير البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء، وفقاً لما أورده ضيفنا.
ورأى أن هذه العمليات ليست عشوائية، بل تأتي ضمن سياسة تهدف إلى محو المخيم وطمس هويته الوطنية، في محاولة لإجبار سكانه على الرحيل القسري.
واستكمل حديثه: "إن الاحتلال يسعى من خلال هذه الممارسات إلى تفريغ المخيمات الفلسطينية من سكانها"، مما يعكس نية واضحة لإحداث تغيير ديموغرافي يخدم سياساته التوسعية.
وأكد "الشاويش" أن أهالي المخيم متمسكون بأرضهم رغم كل الضغوط، ولن يسمحوا بتمرير هذه المخططات الرامية إلى اقتلاعهم من جذورهم.
ودعا "الشاويش" المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات؛ محذرًا من كارثة إنسانية تهدد حياة آلاف الفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم بين ركام منازلهم دون مأوى أو خدمات أساسية.
ونادى بضرورة محاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني ومخيماته.
وأكمل الناشط من مخيم نور شمس سليمان الزهيري، حديث الشاويش، موضحا أن الاحتلال يواصل تحويل عشرات المنازل إلى ثكنات عسكرية، وسط استمرار تحركات آليته وجرافاته، بشكل مستمر، على وقع أصوات انفجارات وإطلاق رصاص.
وقال الزهيري لـ"وكالة سند للأنباء" إن الصورة داخل المخيم ليست واضحة تماما، كون الانفجارات تحصل في مناطق تم إخلاؤها مسبقا، عدا عن انقطاع شبكة الانترنت عن غالبية مناطق المخيم ومحيطه.
وأضاف "هناك حركة دائمة لآليات الجيش وللجرافات، وتفجيرات وإطلاق نار بين كل فترة وأخرى، وطرق على الأبواب واقتحام منازل على أطراف المخيم وتخريبها بشكل يومي".
وبين أن جنود الاحتلال أحرقوا منزلين بالمخيم أول أمس، فيما معظم الساكنين داخله أجبروا على الخروج.
ولفت الزهيري إلى صعوبة معرفة الأعداد الباقية في المخيم نظرا لانعدام التواصل، لكن التقديرات أن من حوالي 12 ألفًا هم عدد سكان مخيم نور شمس، فقد نزح من 6- 8 آلاف.