قالت جهات دولية في أحاديث مُنفصلة لـ "وكالة سند للأنباء"، مساء اليوم الاثنين، إن الحملات الشعبية مثل المظاهرات والإضرابات تؤثر بشكل كبير في المواقف السياسية على مستوى العالم، مؤكدةً أن هذه الفعاليات تشكل ضغطًا قويًا على الحكومات لتغيير مواقفها تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
وشهدت منصات التواصل الاجتماعي في 7 إبريل/نيسان الجاري تفاعلًا واسعًا مع الإضراب الشامل الذي انطلق اليوم تحت وسم #إضراب_غزة، في احتجاج شعبي على العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
وفي هذا السياق، انطلقت مظاهرات حاشدة في عدة دول عربية، حيث خرج الآلاف مطالبين بوقف الهجمات ورفع الحصار عن القطاع، وجاءت هذه التحركات الشعبية ضمن مساعي شعبية للضغط على الحكومات لوقف العدوان، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من حرب إبادة تطال المدنيين.
"التحركات الشعبية"..
وشدد مدير مرصد جنيف للديمقراطية وحقوق الإنسان، أنور الغربي، أن الحملات الشعبية، مثل الإضرابات العامة، الاعتصامات، حملات المقاطعة، والمظاهرات المتنوعة التي تشهدها العديد من البلدان، قد أثبتت فعاليتها الكبيرة في التأثير على السياسات في الفترة الأخيرة.
وأوضح "الغربي" في حديثٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أن التحركات الشعبية التي شهدتها بعض الدول الغربية في الأسابيع الأخيرة، مثل حملات رفع النعوش، تشكيل سلاسل بشرية، وتوزيع بالونات بأسماء الأطفال والنساء الضحايا، تُعد من أبرز الأنشطة التي كان لها تأثير مباشر على المواقف السياسية في تلك الدول. وأضاف أن هذه الأنشطة ساعدت في تحفيز التفاعل البرلماني والانتخابي في العديد من البلدان.
وفي سياق تأثير هذه التحركات على البرلمانات الغربية، لفت "الغربي" إلى أن هناك تغيرات ملحوظة في المواقف في دول مثل البرلمان الأوروبي، البرلمان البريطاني، والبرلمان السويسري. فقد صوت البرلمان السويسري قبل أسبوعين على تجديد الدعم المالي لوكالة "أونروا"، رغم التهديدات التي كانت تشير إلى إمكانية قطع هذا الدعم، ما يعكس بشكل واضح تأثير التحركات الشعبية في تغيير مواقف الحكومات.
تأثير الحملات على المواقف العربية والغربية..
وعن تأثير هذه الحملات في الحكومات العربية، أكد "الغربي" أن هناك تأثيرًا ملحوظًا في دول مثل تونس، المغرب، وموريتانيا. بينما يبقى الموقف في بعض الدول الغربية غير موحد، فقد شهدنا مواقف متقدمة من دول مثل إيرلندا، إسبانيا، وبلجيكا التي أظهرت دعمًا واضحًا لفلسطين. بينما كان الموقف الفرنسي والبريطاني متفاوتًا، حيث تغير الأخير بشكل تدريجي.
وأكد "الغربي" أن هذه التحركات الشعبية قد لعبت دورًا محوريًا في تغيير الخطاب السياسي والإعلامي في العديد من الدول المؤثرة.
وأشار إلى أن وسائل الإعلام الكبرى في بريطانيا، فرنسا، وإيطاليا شهدت تحولًا ملحوظًا، خاصة بعد المجزرة الفظيعة التي استهدفت الدفاع المدني، ما أسهم في إحداث تغيير جذري في الخطاب الإعلامي في تلك الدول.
أما فيما يتعلق بالضغط على المؤسسات الدولية، فقد أكد "الغربي" أن هناك تطورًا ملحوظًا في المطالبات بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين. ووفقًا له، تزايدت الأصوات المطالبة بتجميد اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل استنادًا إلى عدم احترام حقوق الإنسان.
وبيّن ضيفنا أن هذا النوع من الضغط الشعبي يتزايد ويصل حتى إلى الأمم المتحدة، حيث هناك دعوات متزايدة لطرد إسرائيل من المنظمة.
وأشار "الغربي" أيضًا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية بدأت في اتخاذ خطوات أكثر جدية، مثل مطالبتها بتسليم رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو أثناء تواجده على أراضي الدول الموقعة على اتفاقية المحكمة.
وشدد "الغربي" على أهمية دعم إعادة انتخاب فرانشيزكا ألبانيز كمقررة خاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، رغم محاولات إسرائيل والولايات المتحدة لإعاقة انتخابها.
وأكد أن منظمات حقوق الإنسان العالمية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، قد أصدرت تقارير تدين بشدة الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وتعمل على إرسال مراسلات دورية إلى الدول المعنية والمؤسسات الدولية، مع تأكيدها على ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار "الغربي" إلى أن هناك تحولًا في الوعي الشعبي، حيث لاحظ تزايدًا ملحوظًا في دعم القضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة.
وأضاف أن هذا التحول يشمل جميع الفئات العمرية والشرائح المجتمعية، ما يعكس اهتمامًا أكبر بالقضية الفلسطينية على المستويين الشعبي والرسمي.
وأكد "الغربي" أن هذا التزايد في الدعم الشعبي يتجلى أيضًا في المشاركة في الانتخابات المحلية وفي الحملات الدولية للمقاطعة.
"تغيير جذري"..
من جانبه، قال المحلل السياسي الأردني خالد الجهني، إن الحملات الشعبية من إضرابات واعتصامات ومظاهرات قد تلعب دورًا مهمًا في الضغط على الحكومات لتغيير مواقفها، رغم أنه لا يتوقع أن يكون هذا التغيير جذريًا.
أضاف الجهني في حديث خاص لـ "وكالة سند للأنباء": "إن الفعاليات الشعبية قد تُسهم في دفع الحكومات إلى تعديل مواقفها، لكنها تبقى في الأساس نوعًا من الحصار السياسي والدبلوماسي المفروض على الاحتلال الإسرائيلي، هذا الحصار يمكن أن يعطل بعض الاتفاقيات ويعرقل مسار التطبيع مع بعض الدول العربية".
وأشار "الجهني" إلى أن التحركات الشعبية يمكن أن تدفع بعض الدول الغربية أيضًا إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية أو سياسية تقيد تعاونها مع إسرائيل، مُضيفًا: "لقد حدث هذا سابقًا، لكننا نأمل أن يصل الأمر إلى مرحلة محاسبة الاحتلال الإسرائيلي، وإيقاف استقبال قادته في هذه الدول."
وتابع الجهني مؤكدًا أهمية استمرارية الفعاليات الشعبية، قائلاً: "من الضروري أن تتحول هذه الفعاليات إلى موجة مستمرة، موجهة بشكل متكرر نحو السفارات والمقرات الدولية مثل الأمم المتحدة، وهذه الاستمرارية تشكل ضغطًا حقيقيًا على الحكومات، مما يضمن تنفيذ القرارات المتخذة ضد الاحتلال بشكل فعال ومؤثر".
أما عن دور منظمات حقوق الإنسان، فقد أشار "ضيفنا" إلى أنه حتى الآن لم يرتفع صوتها كما حدث في حالات أخرى مثل حرب أوكرانيا، ولكن الفعاليات الشعبية قد تدفعها للقيام بدور أكبر.
وأضاف: "هذه الفعاليات الشعبية من الممكن أن تجبر هذه المنظمات على اتخاذ خطوات فعالة ضد قادة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا أولئك الذين يشاركون في الأنشطة السياسية والثقافية حول العالم."
وفيما يخص الضغط على الحكومات، قال الجهني: "المنتظر من الشعوب الحرة، بما فيها الشعوب العربية والإسلامية، هو الضغط على الدول التي تتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذه الاتفاقيات، ويجب أن تغلق الدول التي تمر عبرها الطائرات الإسرائيلية مجالاتها الجوية، وأن تضع حدًا لهذا التعاون الذي يعد دعمًا لحكومة مجرمي الحرب."
واختتم الجهني حديثه قائلًا: "المطلوب هو زيادة الضغط الشعبي على الحكومات لفتح المنافذ إلى غزة، سواء عبر الجو أو البحر أو البر، وضمان إغاثة أهل غزة بكل ما يحتاجونه من طعام ودواء، ودعم صمودهم على أرضهم في مواجهة الاحتلال".
بدوره، قال عضو لجنة مقاومة التطبيع والقضايا القومية في نقابة المهندسين الأردنيين أمين عرار، إن التحركات الشعبية أحدثت تغييرا جذريا في مواقف الدول العربية والإسلامية والدول المتضامنة، مستمدة تأثيرها من أهوال حرب الإبادة في غزة والضفة.
وبين عرار في حديثه لـ وكالة سند للأنباء أن المسيرات والمظاهرات المليونية، والوقفات الاحتجاجية في الفترات السابقة على مدار الحرب الإسرائيلية منذ 16 شهرًا، أدت لتغييرات في مواقف بعض الدول.
وعبر عن تفاؤله في أن يؤدي الضغط الشعبي ومراكمة المطالبات، لإلغاء اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية والاحتلال، وطرد سفراء "إسرائيل" وإغلاق سفاراتها.
وأوضح عرار أن الحملات الشعبية التي تجري حاليا في أوروبا والأمريكيتين وأفريقيا، بدأت تحدث تغييرا في الخطاب السياسي والإعلامي، نحو دعم غزة ورفض جرائم الاحتلال.
ويتواصل استئناف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة لليوم الـ 22 منذ خرق اتفاق وقف إطلاق النار، والعودة للحرب المسعورة التي تقودها بشراكة أمريكية، في ظل صمت عالمي.
ووفق آخر معطيات نشرتها وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، وتلقتها "وكالة سند للأنباء"، فقد بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ استئناف حرب الإبادة الجماعية في 18 مارس/ آذار 1391 شهداء، و3434 إصابة.