الساعة 00:00 م
السبت 19 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.89 جنيه إسترليني
5.2 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.19 يورو
3.69 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

وجبة من السم يوميًا.. الطهو على نيران البلاستيك خيار المضطر في غزة

هل تبقى قرارات "يونسكو" بشأن فلسطين حبراً على ورق؟

"نتنياهو" والمفاوضات بشأن حرب غزة.. "لعبة تضييع الوقت"

الكشف عن مصيره عذاب آخر.. قصة الأسير خليل هنية الذي نزف حتى الموت في زنزانته

حجم الخط
الأسير الشهيد خليل هنية
غزة - فاتن عياد الحميدي - وكالة سند للأنباء

"8 غرز وضمادة" كانت كفيلةً لإبقاء روح فلسطيني على قيد الحياة، لكنها "إسرائيل" وحرب التعذيب والإهمال الطبي التي تمارسها على أجساد الأسرى الفلسطينيين، لتسلب منهم العافية والأمل والحياة، وتُبقي مصيرهم مجهولاً.

لم تكتف "إسرائيل" بسلب حرية الفلسطينيين فحسب، بل تخطى إجرامها أعتى المراحل، فتبدأ بالإخفاء القسري ثم تلحقه التعذيب والإهمال الطبي، انتهاءً بالتضليل والموت على أرضٍ باردة وزنزانة.

الأسير الشهيد خليل هنية (35 عاماً) من حي الرمال الشمالي في قطاع غزة، أبٌ لأربعة أطفال لم يتجاوز أكبرهم عامه الثامن، حرمهم الاحتلال حنان والدهم وحرصه عليهم، بعد أن اعتقله قبل أكثر من عام ونصف خلال حرب الإبادة على القطاع.

قضى "هنية" حياته الجامعية ينهل العلم من اختصاص "تأهيل الدعاة" و "الشريعة الإسلامية"، آملاً أن يُكمل دراسته العليا في مجال "الفقه"، لكن خبث الاحتلال وإجرامه حال دون تحقيق ذلك الحلم.

وفي حديث لـ"وكالة سند للأنباء" اختارت "أم البراء" هنية زوجة الشهيد "خليل" أن تبدأ حوارها بمناقب زوجها قبل كل شيء، الذي لطالما كان معطاءً مُحباً للخير ولو على حساب نفسه، حيث كان من أشد الناس حناناً على أطفاله، وأحرصهم على إنباتهم نباتاً حسناً، فلم يُرَ منه غضبٌ قط إلا على انتهاك حرمات الله.

لحظات الاعتقال..

ففي يوم الخميس 21 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وبعد أقل من شهرين على اندلاع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، حاصر جيش الاحتلال الإسرائيلي مجموعة مدارس في حي الشيخ رضوان لعدة أيام، قبل أن تقتاد شبانها إلى الاعتقال وتُسرِّح النساء من المدارس.

ومنذ ذلك الوقت اعتقلت قوات الاحتلال المواطن "خليل" رفقة عدد من الشبان من مدرسة "عبد الله الدحيان"، واقتادته إلى غياهب السجون.

وأبقت سلطات الاحتلال على الأسير الشهيد "هنية" في سجن النقب، بعد أن مرَّ بمراحل تعذيب ممنهجة في معسكرات التحقيق وعلى رأسها "سديه تيمان".

 تقول "أم البراء" لمراسلة "وكالة سند للأنباء"، إنها لم تكن تعرف شيئاً عن زوجها منذ لحظة اعتقاله، لكن مع خروج دفعات الأسرى المحررين، تسلل الأمل إلى قلبها قليلاً، وسرعان ما خفت هذا الضوء، عند علمها بالحالة الصحية الصعبة جداً التي ألمَّت بزوجها.

وتضعنا "أم البراء" في صورة الحالة الصحية لزوجها قبل مرحلة الأسر، لافتةً إلى أنه كان مريض "كهرباء" مزمنة ومصاباً سابقاً ببتر في اليد ورصاصة بجانب القلب، إضافة إلى وجود "بلاتين" في رأسه، وغُرز في عدة أماكن بجسده.

تعذيب ممنهج..

وكحال أي أسيرٍ فلسطيني عامةً، ومن قطاع غزةَ خاصةً، تعرض "هنية" لحملة تعذيب ممنهجة وصفت بـ"المتعمدة والشرسة" جداً، وفق شهود العيان الذين أخبروا زوجته بذلك.

لم تترك "أم البراء" فرصة تتواصل فيها مع مؤسسات الأسرى والمؤسسات الحقوقية إلا وبذلت جهداً كبيراً، لكن -كون الأسير من قطاع غزة- إذاً هناك رحلة عذاب وتشديد، أولاها أنه لا يمكن توفير محامٍ لأيٍ من أسرى غزة.

ومع صفقات تبادل الأسرى التي، تمنت ضيفتنا أن تحظى بعناق زوجها من جديد، وأن يتنسم الحرية مجدداً، على اعتبار أن له حق الأولوية في الخروج بسبب مرضه، لكن لم تجد "أم البراء" اسم زوجها مدرجاً على قوائم المحررين.

وكان الأسرى المحررون من قطاع غزة هم الأمل الوحيد لنقل أخبار زوجها في ظل التعتيم الشديد على أسرى غزة، فتحدثنا "أم البراء"، "مورس على زوجي إهمال طبي وتعذيب شديد، حيث كان يتعرض لعدة نوبات تشنج في اليوم الواحد".

كما حرمت إدارة سجون الاحتلال الشهيد "هنية" من الدواء، والغذاء، واللباس والغطاء، بينما مُنِع من مقابلة أي محامٍ لأنه فقط من "قطاع غزة".

ونقل شهود عيان محررون حالة الأسير الشهيد "هنية" في آخر أيامه داخل سجن النقب، حيث كان جسده هزيلاً، لا يستطيع المشي، زِد على ذلك تعرضه لفقدان الذاكرة من شدة التعذيب والإهمال، وفقدانه المقدرة على الحديث بالمطلق في حادثة لم يُعرف أهي علامات صدمة، أم بسبب التعذيب، أم مرضٌ جديدٌ ألمَّ به.

صدمة غير متوقعة..

أما اللحظة الصادمة، فكانت عندما أخبر الأسرى المحررون زوجة الشهيد "هنية" أن زوجها قد سقط على الأرض في إحدى نوبات الإغماء بتاريخ 25 ديسمبر/ كانون الأول، وتعرض لجرح غائر في الرأس؛ إلا أن إدارة السجون منعت نقله لمعاينة جرحه وتضميده.

وتتابع "أم البراء" حديثها: "أخبرني المحررون أن خليل كان بحاجة لـ 8 غرز في رأسه، لكن الاحتلال لفَّ رأسه بشاش دون غرز، وأرجعوه إلى الزنزانة ينزف".

وفي صباح اليوم التالي للحادثة، استيقظ أسرى النقب على مشهد الدماء الذي أغرق فراش "خليل"، بينما كان جسده بارداً وعيناه شاخصة للسماء، وبدت عليه علامات المفارق للحياة، قبل أن تنقله إدارة سجون الاحتلال إلى جهة غير معلومة حتى اللحظة. وفقاً لضيفتنا.

وبنبرة الذهول والقلق، تزيد "أم البراء": "بعد هذه الحادثة بفترة بسيطة عرفت من الأسرى المحررين ما جرى لزوجي، وأنه يُرجح استشهاده حينها"، "كان بالإمكان أن يبقَ على قيد الحياة، كان يُمكن لجرحه أن يضمد، لكن جرحنا بقي غائراً بعد أن قتل الاحتلال زوجي".

وتتابع: "تواصلتُ مع مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان، لمعرفة مصير زوجي"، لكنها فوجئت أن "خليل" مُفرج عنه، ولم يبقَ في عداد الأسرى.

خبرٌ كالصاعقة نزل على قلب زوجته، وسيل من التساؤلات انصب عليها: "كيف مفرج عنه؟ أين هو؟ لم يصل إلى القطاع، لم يتواصل معي الصليب الأحمر، في أي منطقة هو؟ أين تركوه؟".

وبقيت "أم البراء" في دوامة من الصراع والتساؤلات أكثر من ثلاثة أشهر، قبل أن يُعلن رسمياً عن استشهاد زوجها "خليل" في العاشر من نيسان/ أبريل الجاري.

لم ينته القلق بهذا الخبر، فرغم المصاب العظيم بفقد زوجها، إلا أن "أم البراء" لم تعرف حتى كتابة التقرير ما إن كان زوجها في مقابر الأرقام، أو في ثلاجات الموتى، فلم تُفصح قوات الاحتلال عن شيء آخر سوى استشهاده، في محاولة لزيادة العذاب على عوائل الأسرى الفلسطينيين.

وتختم ضيفتنا حديثها: "خليل تمنى الشهادة وقد نالها، لكن الحياة من بعده صعبة، صعبةٌ جداً"، وبعد أن صمتت لبرهة، تابعت بصوت متحشرج وعبرة خانقة، "سأحاول أن أكون نعم الأم لأطفالي، وأن أسعى لأحقق ما تمنى أن يراه في أبنائه من صلاح الحال والنجاح، سأكون لهم الأم والأب، وأسأل الله أن يعينني على هذه المهمة".

64 شهيداً منذ السابع من أكتوبر2023..

ويوافق اليوم الخميس 17 نيسان/ أبريل، يوم الأسير الفلسطيني، والذي يمثل هذا العام الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة، حيث يقبع أكثر من 9900 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تحت وطأة التعذيب الشديد والقتل الممنهج والإهمال الطبي.

وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، إنه منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، ارتقى 64 شهيداً من صفوف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهم فقط المعلومة هوياتهم في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري، من بينهم على الأقل 40 من قطاع غزة، وفق بيان صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين.

وأوردت الهيئة أن هذه المرحلة في تاريخ الحركة الأسيرة والشعب الفلسطيني تعتبر الأكثر دموية، فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة المعلومة هوياتهم منذ عام 1967 بلغ حتى اليوم 301 أسيراً، فيما بلغ عدد الشهداء الأسرى المحتجزة جثامينهم إلى 73 من بينهم 62 منذ بدء الإبادة.

وفي السياق، أشار مكتب إعلام الأسرى إلى أن 1747 من أسرى غزة تصنفهم إدارة السجون كـ"مقاتلين غير شرعيين"، وهو تصنيف خطير لا يشمل جميع معتقلي غزة، خاصة أولئك الذين يُحتجزون في معسكرات الاحتلال العسكرية بعيدًا عن أي رقابة.

وبيَّن أن الاحتلال، ومنذ بدء العدوان على غزة، حوّل سجونه إلى "مسالخ بشرية" تُمارَس فيها أبشع أشكال الانتقام والإذلال بحق الأسرى، بمن فيهم المرضى والنساء والأطفال.

كما يُحتجز المئات منهم في معتقلات تم استحداثها بعد معركة "طوفان الأقصى"، كمعتقل "سديه تيمان" وسجن الرملة (تحت الأرض)، حيث تفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية.