تعيش بلدة بروقين غرب سلفيت شمالي الضفة الغربية، في ظروف مشحونة بالتوتر والقلق والترقب، فرغم انتهاء العدوان الإسرائيلي الواسع على البلدة، وجارتها كفر الديك، الشهر الماضي، إلا ان هجمات المستوطنين وتحركاتهم المريبة تنغص حياة الأهالي وتمنعهم من ممارسة حياتهم كالمعتاد.
فبعد سلسلة من الهجمات الانتقامية التي شنها المستوطنون على البلدة بعد مقتل مستوطنة بعملية إطلاق نار قرب البلدة منتصف مايو/ أيار الماضي، وأحرقوا ودمروا خلالها منازل ومركبات، انقلبت حياة أهالي البلدة رأسا على عقب، وبات الكل متيقظا خوفا من هجوم مباغت جديد.
وفي المنطقة الشمالية من بروقين، بات منزل المواطن مصطفى خاطر عرضة لاعتداءات واستفزازات المستوطنين الذين يحيطون به من كل الجهات.
وعلى بعد أمتار قليلة، أقام المستوطنون خياما فوق أراض تمت مصادرتها مؤخرا، محولين المكان إلى بؤرة استيطانية بهدف تضييق الخناق على السكان، وفرض أمر واقع جديد.
اعتداءات المستوطنين المتصاعدة حولت حياة خاطر وزوجته وأطفاله الأربعة، إلى جحيم، وأجبرته على إجلاء أسرته حفاظا على سلامتهم، بينما بقي هو وحيدًا في منزله، مصمما على حمايته من محاولات المستوطنين الاستيلاء عليه.
يشير لنا "خاطر" إلى المستوطنين الذين يحاصرونه من كل الجوانب، ويقول بكلمات حزينة مشبعة بالقهر: "كيف أشعر بالأمان في منزلي وهؤلاء يتربصون بي ويواصلون استفزازي؟".
وتحدث عن تعرضه للرشق بالحجارة من فتية المستوطنين، فضلا عن الغناء الصاخب ليلا، والصراخ، وسيل الشتائم.
لكنه مع كل ذلك يؤكد صموده في وجه المستوطنين، وتحديه لمحاولاتهم اقتلاعه من بيته.
أما عائلة المواطن يافي فهد بركات، والتي تعيش في منطقة الخلايل بمحاذاة مستوطنة "بروخين"، فلم تكن بأفضل حال من عائلة خاطر.
وعقب العملية، طرده جيش الاحتلال من منزله قرابة 10 أيام، واعتدى المستوطنون على المنزل، وحطموا نوافذه وكسروا بابه، وخطّوا شعارات ورموزا يهودية على جدرانه.
وقال بركات لـ "وكالة سند للأنباء" إنه عاد لتفقد منزله بعد 10 أيام، لكنه فوجئ بهجوم المستوطنين على المنطقة حيث أحرقوا عددا من المنازل وخربوها.
لا أمان مع المستوطنين
وأشار بركات، وهو أب لخمسة أطفال أكبرهم يبلغ 8 سنوات، إلى أنه لا يستطيع إعادة عائلته للمنزل في ظل الوضع الراهن حيث ينتشر المستوطنون قبالة المنزل ويجولون بين المنازل.
ويقول: "لا يوجد أمان هنا، باب البيت لا يمكن إغلاقه بعد كسره، وبإمكانهم (المستوطنون) فتحه واقتحام البيت بأي لحظة".
ويضطر بركات لوضع بعض قطع الأثاث الثقيلة خلف باب منزله، في محاولة لعرقلة محاولات فتح الباب.
وتقع بروقين وسط غابة من المستوطنات التي تحيط بها من الجهات الشرقية والشمالية والغربية، وهي المنطقة الصناعية لمستوطنة "أرئيل"، ومستوطنة "بركان" الصناعية و"بركان" السكنية، و"بروخين" و"عليه زهاف" و"بدوئيل".
وهذه المستوطنات تتمدد في أراضي بروقين والبلدات المجاورة، ومن أصل 18 ألف دونم، تقع 73% من أراضي بروقين في المنطقة المصنفة (ج) التي يمنع الاحتلال الفلسطينيين من البناء فيها، ويسعى لضمها.
وفي ذروة النشاط الاستيطاني، لم يكن المستوطنون بحاجة لعملية إطلاق النار التي وقعت قرب بروقين مساء الرابع عشر من مايو/ أيار الماضي وقتلت فيها مستوطنة، لتصعيد اعتداءاتهم وتحريضهم على البلدة.
وعلى إثر العملية، شنت قوات الاحتلال عدوانا واسعا على بروقين وكفر الديك، بدأ بفرض منع التجول على البلدتين، وإغلاق كافة المداخل والمخارج وتطويقهما بأعداد كبيرة من الجنود.
وقال فائد صبرة، رئيس بلدية بروقين، لـ "وكالة سند للأنباء" إن قوات الاحتلال، وعلى مدار 9 أيام متواصلة، شنت حملات دهم طالت 740 منزلا في البلدة، وهو ما يشكل 90% من المنازل، ونفذت فيها عمليات تفتيش وتخريب وهدم لجدران داخلية وسرقة أموال ومجوهرات.
وأوضح أن قوات الاحتلال كانت تحتجز سكان كل بيت في إحدى الغرف، وتمنعهم من القيام بأي نشاط، وطردت بعض العائلات من بيوتها ليلا، بمن فيهم النساء والشيوخ والأطفال والحالات الإنسانية، وأقامت ثكنات عسكرية ومراكز تحقيق ميداني داخل عدد من المنازل.
وترافق ذلك مع حصار مطبق ومنع دخول أي مواد أساسية للبلدة، ومنع المرضى من الخروج للعلاج.
إرهاب غير مسبوق
ويبين صبرة أن المستوطنين استغلوا منع التجول وأجواء الترهيب، واستولوا على 245 دونما من أراضي البلدة بالمنطقة الشمالية، ونفذوا فيها عمليات تجريف على مدار الساعة، وأقاموا نقاطا عسكرية وخيمة.
وأشار إلى أن خيمة المستوطنين تحولت إلى بؤرة تجمع المستوطنين للتخطيط والانطلاق بهجماتهم على البلدة، والتي كان أعنفها بعد انسحاب قوات الاحتلال من البلدة، إذ هاجموا المنازل في المنطقة الشمالية، وأحرقوا 6 مركبات و3 منازل، وأصابوا مواطنا.
ويؤكد صبرة أن المستوطنين كانوا يخططون للهجوم على 3 مناطق بشكل متزامن، بما يشمل حرق 500 منزل في المنطقة الشمالية في غضون ساعة، لكن التصدي لهم من أبناء البلدة والبلدات المجاورة أفشل مخططهم.
وقال: "تواجد المستوطنون في يوم الجمعة بأعداد كبيرة في المنطقة الشمالية، وخططوا لحرق المسجد بمن فيه من المصلين، لكن تم التصدي لهم، وفي المساء هاجموا المنازل في المنطقة الشمالية الغربية وأحرقوا أحدها، فيما تواجدت قوات الاحتلال لحماية المستوطنين".
ويشدد صبرة على خطورة الأوضاع، ويتوقع أن يزداد الوضع سوءا في الأيام القادمة، فبعد أن أزال المستوطنون خيمتهم، أعادوا نصبها بعد يومين، وهم يتواجدون فيها يوميا، وبالمقابل يرابط أهالي البلد في المنطقة يوميا.
ويضيف: "هناك تهديدات وتحريض من المستوطنين على البلدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويدعون لحرق بروقين بالكامل، ومع ذلك سنبقى حتى آخر نفس، ولن نسمح لهم بتنفيذ مخططاتهم".
ويشير إلى أنه تم تشكيل لجان حراسة في البلدة تعمل بالتناوب، كما أن كل مواطن يحرس بيته من داخله.
ويختم قائلا: "هم لا يستطيعون شن هجوم واسع حاليا، لكنهم سيحاولون اغتنام فرصة حشد أعداد كبيرة للهجوم، ونحن سنكون متيقظين لأي هجوم".
وتصاعدت اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية بشكل لافت منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأخذت منحى تصاعديا، مستغلين حجم المجازر اليومية في غزة والتي تغطي على ما سواها من أحداث بالضفة.
ووفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين 1691 اعتداء خلال مايو/ أيار الماضي، منها 1276 اعتداء ارتكبتها قوات الاحتلال، فيما ارتكب المستوطنون 415 اعتداء، وتركزت مجمل الاعتداءات في محافظات رام الله والخليل ونابلس.
وتراوحت الاعتداءات بين هجمات مسلحة على القرى، وفرض وقائع على الأرض، وإعدامات ميدانية، وتخريب وتجريف أراض، واقتلاع أشجار، واستيلاء على ممتلكات، وإغلاقات وحواجز تقطع أوصال الضفة.