الساعة 00:00 م
الخميس 03 يوليو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.6 جنيه إسترليني
4.76 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.98 يورو
3.37 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

‏على حافة الموت.. "بتول" طالبة التوجيهي تفرّقها شظية إسرائيلية عن حلمها

مليون نازح محشورون في مساحة ضيّقة بغزة.. و51 أمر إخلاء منذ استئناف الحرب

بلدية غزة: 260 ألف طن من النفايات بالمدينة وكارثة وشيكة بحق مليون نازح

بالفيديو ‏على حافة الموت.. "بتول" طالبة التوجيهي تفرّقها شظية إسرائيلية عن حلمها

حجم الخط
بتول مشهراوي.jpeg
غزة- وكالة سند للأنباء

في ركن بارد بغرفة العناية المشددة في مستشفى الشفاء في غزة، ترقد الفتاة بتول مشهرواي دون حراك أو استجابة لتوسل والدتها وهمساتها وهي تمرر يدها على جبينها قائلة: "يما قومي.. امتحاناتك قربت".

تنظر الأم لطفلتها المدللة التي كانت تتحدّى واقع الإبادة في غزة، لتكمل مشوار الثانوية العامة، قبل أن تقلب شظية صاروخ إسرائيلي حياتها وتبدد أحلامها بصناعة مستقبلها رغم الموت والدمار المنتشر حولها.

كانت بتول في طريق عودتها من مدرسة صلاح الدين غرب مدينة غزة، رفقة صديقاتها وزميلاتها اللواتي أنهين درسهن، لكن صاروخ إسرائيلي باغت كل شيء، تهاوت الشطايا من حولهن، استشهدت 4 من صديقاتها، وأصيبت أخريات بجروح متفاوتة، بينهن بتول التي استقرت شظية في دماغها.

يحدثنا علاء المشهراوي، شقيق بتول، عن تفاصيل ذلك اليوم: "في 17 مايو/ أيار الماضي خرجت بتول من أحد المراكز التعليمية في غزة، عائدة من درسها كأي طالبة تطمح أن تفرح عائلتها بتفوقها في الثانوية العامة، وفي طريق عودتها، تعرضت المنطقة لقصف عنيف من قبل طائرات الاحتلال، استُهدفت مدرسة صلاح الدين ثلاث مرات".

يكمل والألم يعتصر قلبه على شقيقته الصغيرة: "قُتلت أربع من صديقات بتول في القصف، فيما أُصيبت هي ومع فتاتين أخريان.. كانت بتول تسير على قدميها لم تكن تحمل سوى حقيبة مدرسية".

يصمت برهة وعيناه تحدقان بأخته التي كانت تنبض بالحياة والأمل، ويقول لـ "وكالة سند للأنباء": "بتول ليست رقماً ولا خبراً عابراً، إنها أختي… زهرة بيتنا، ابنة السبعة عشر عامًا، كانت تحلم أن تصبح طبيبة علاج طبيعي، لتخفف آلام الناس.. فإذا بها اليوم ترقد بين أجهزة الإنعاش، لا تشعر بشيء".

ويسرد: "بتول اتصلت بنا بتول بعد إصابتها، كانت ما تزال بوعيها، قالت لي: "أنا اتصبت بشظية، رايحة على مستشفى الشفاء، تعالوا شوفوني".

وصلت العائلة للمستشفى، كانت بتول لا تزال بوعيها تتحدث مع من حولها، لكن الطواقم الطبية اعتبرت إصابتها سطحية، ولم تُجرَ لها الفحوصات اللازمة بسبب كثافة الإصابات، يقول علاء.

لكن بعد حوالي 15 دقيقة، بدأت بتول بالصراخ: "إلحقوني.. رأسي بيوجعني"، ويكمل شقيقها: "تراجعت درجة وعيها من 15 إلى 12، وبدأت تستفرغ وتدخل في حالة دوار، حينها أدرك الأطباء أن هناك نزيفاً داخلياً في الدماغ".

هنا، بدأت دوامة أخرى من العجز، ففي غزة لا شيء يأتي دون مشقة، حالة بتول كانت تستدعي جهاز تصوير، وهو ما لم يكن متوفرًا في مستشفى الشفاء، ما اضطر لنقلها بسيارة إسعاف تفتقر لأبسط الإمكانيات إلى مستشفى المعمداني، وهناك تدهورت حالتها أكثر.

في غرفة العمليات بمستشفى المعمداني، أجريت عملية طارئة لبتول، فُتحت فيها جمجمتها، واستُئصل جزء منها لتخفيف الضغط عن الدماغ، واحتفظ الأطباء بالعظم تحت جلد بطنها تمهيداً لإعادته خلال ستة أشهر في حال تحسنت حالتها.

ويوضح علاء: "رغم ذلك، لم تتحسن حالة بتول، مكثت 15 يوماً في العناية المكثفة وسط نقص حاد في الأدوية الأساسية، فاضطررنا لشراء معظم الأدوية من الخارج، رغم فقداننا منزلنا ومصدر رزقنا في الحرب".

بعد ذلك، نُقلت بتول لمستشفى الوفاء للتأهيل، الذي يفتقر لأي مقومات طبية حديثة، وهناك تدهورت حالتها مجددًا، ويقول: "انخفض الأكسجين إلى 22، ثم اكتشفنا وجود التهابات شديدة في الجهة اليمنى من دماغها، وتجمعت السوائل في حجرات الدماغ".

رغم ضيق الحال، بدأت العائلة بالبحث عن جهاز خاص لسحب السائل من دماغ بتول، وعن ذلك يحدثنا شقيقها: "يصل سعر الجهاز 1800 دولارًا، وهو مبلغ لا نملكه، فلجأت أمي لبيع مصاغها، وساعدنا بعض الأقارب حتى اشتريناه، أجريت العملية، لكن الجهاز فشل بعد 6 ساعات فقط"، ويردد بألم: "كأننا نحارب الموت بأدوات مهترئة".

حياة دون روح..

اليوم، ترقد بتول على حافة الموت السريري، تعيش فقط على الأوكسجين، انخفضت درجة الوعي إلى 4 من أصل 15، وهي بحاجة لحليب أطفال ممزوج بمكملات غذائية، يدخل لمعدتها عبر أنبوب، تكافح العائلة بكل ما تملك لمساعدتها وتأمين ما تحتاجه من أدوية ومستلزمات وتشتري الحليب والدعامات الطبية، ولا تجد أحيانًا ثمن "بامبرز"، بحسب شقيقها.

وحصلت بتول، على تحويلة للعلاج بالخارج من وزارة الصحة، لكن الاحتلال يرفض التنسيق، ويمنع خروجها. فيما يؤكد الأطباء وجود فرصة حقيقية لبتول للنجاة لو خرجت من غزة.

وبكلمات تختزل ألم وحسرة العائلة يقول علاء: "لا نملك إلا الدعاء والصراخ في وجه الصمت العالمي على حالنا".

ويردد: "بتول كانت تحلم أن تصبح طبيبة تداوي الناس، لكنها أصبحت اليوم جريحة حرب إبادة، ضحية لجرم دولي يطال أطفالنا ومدارسنا ومستقبلنا".

وعن حال عائلته يقول: "لا توجد كلمات تصف ما نعيشه ونحن نرى أختي بهذا الحال، أمي لم تتوقف عن البكاء منذ يوم إصابتها، وأخواتي يتهامسن حول صورها القديمة ويبكين في الخفاء".

ويحكي لنا: "لا أريد من العالم الشفقة.. فقط أريد إنقاذ أختي، بتول ما زالت على قيد الأمل، لا تتركوها تموت في غزة".

آلاف المرضى على قائمة الانتظار..

وينتظر 14 ألف جريح ومريض على قوائم السفر بارقة أمل للعلاج بالخارج لدى وزار الصحة، حيث باتت حياتهم رهينة بفتح الاحتلال للمعابر.

ومن بين هؤلاء، فقد 546 أرواحهم وهم ينتظرون فرصة السفر، في وقت يحكم فيه الاحتلال حصاره المشدد على القطاع ويغلق المعابر، ويعرقل السفر للعلاج، وفق تصريح سابق لمسؤول ملف إجلاء الجرحى والمرضى في وزارة الصحة مدير أقسام الأطفال والتوليد في مجمع ناصر الطبي أحمد الفرا.

وعبّر الفرا عن خشيته من ارتفاع عدد الشهداء من المرضى والجرحى على قوائم الانتظار ما لم يتم فتح المعابر سريعا وتمكينهم من السفر وتلقي العلاج المناسب بالخارج.

ويفرض الاحتلال قيودا مشددة على سفر الجرحى والمرضى منذ اندلاع الحرب، وازدادت هذه القيود تعقيدا إثر إغلاقه المعابر كافة في الثاني من مارس/ آذار الماضي، واستئنافه الحرب يوم 18 من الشهر ذاته.

وكان معبر رفح البري مع مصر المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي، غير أنه مدمر ومغلق كليا منذ اجتياح الاحتلال مدينة رفح في السادس من مايو/ أيار 2024، واحتلال المدينة بالكامل حتى اللحظة.