"ستكونين يومًا رسامة موهوبة".. كلمات مُشبعة بالحب، ظلّت ترافق "آية" منذ طفولتها، تخلق فيها البهجة، فهي تؤمن بـ "حدس الأمهات" وتستريح إلى معانيه، ثم شيئًا فشيء تمكّنت من السعي وراء شغفها لتُزهر أخيرًا "ليس رسمًا على الورق فحسب، بل رسومات شهيّة تُؤكل".
آية النمر (26 عامًا) فتاة فلسطينية من قطاع غزة، استثمرت منذ سبع سنوات موهبتها في الرسم، وعملت في مجال تزيين الكيك، بأساليب وابتكارات تبدو فيها الكيكات العادية، قوالب جذابة تُثير شهية زبائنها لالتهام الصور.
منذ طفولتها تميزت "آية" بين إخوانها بجمال خطّها وقدرتها على التعبير عن آرائها بالرسم، إلى أن أصبحت تجد في الألوان والورق الأبيض ملاذها الآمن، ومساحة كافية لتعيش مع الفرح وقتًا أطول، تقول: "تعلقت في هذه الأدوات كتعلق الأطفال بألعابهم".
"آية" كطفلة عاشت أيامًا مليئة بالحب مع موهبتها، وفي كل مرة كانت تُعطي لعائلته دليلًا قاطعًا أنها موهوبة في الرسم.
تبتسم وهي تستذكر مشهد حبّات الباذنجان والبرتقال، وأوراق الخسّ التي شكلّتها بالصلصال "كأنها حقيقة لا يُصدق من يراها بأنها من تشكيل طفلةٍ لم تتجاوز الـ 7 سنوات".
تُردف لـ "وكالة سند للأنباء": "أمي غمرت طفولتي بالكثير من الرعاية والاهتمام، أكثر جملة سمعتها منها أنتِ رسامة موهوبة، تُهديني الصلصال، وأدوات الرسم لأعيش في عالمي المفضل، وما لم أستطع تجسيده بالرسم، كنت أجسده بالصلصال عبر التشكيل".
كبرت هذه الطفلّة، وأصبحت شابّة لا تجد حياتها إلا في عوالم "الرسم والتشكيل"، فقررت دراسة تخصص "فنون وحرف يدوية"، خلالها رعَت موهبتها وصقلتها بالتعلّم والكثير من التجارب، وحينها زاد تعمقها بـ "الألوان والتفاصيل".
خلال دراستها الجامعية، مرّت "آية" بظروفٍ أجلّت بسببها فصلًا دراسيًا كاملًا، اعتقدت أن الحياة أُغلقت أبوابها بوجه هذه الموهبة، ضاق صدرها لكنّ لا خيار آخر.
"آية" لازالت ممتنة لـمعلمتها المهندسة هبة المدهون، التي ساعدتها آنذاك لاستغلال فترة إجازتها الطارئة بالتدريب في مطعم "مزاج" أحد أكبر مطاعم قطاع غزة، تتحدث عن ذلك: "كان المطعم بحاجة لمتخصصات في تزيين الكيك وتشكيل عجينة السكر، عرضت عليهم أعمالي في الفنون وذُهلوا منها وصفوها بأنها أقرب للحقيقة وهذا أسعدني جدًا".
وتقول إن ما لاقته من تشجيع لها في المطعم خلال تلك المرحلة، لازال ملتصقًا بذاكرتها، وكان سببًا لتثق أكثر بموهبتها، ثم مضى وقت بسيط لتبدأ قصتّها في العمل بمجال "تزيين الكيك".
"ليس سهلًا.. لكن لا بد أنني سأتجاوز هذه المرحلة بنجاح"، هكذا كانت تدعم نفسها، عندما قررت العودة إلى مقاعد الدراسة والعمل في آنٍ واحد، ففي تلك الفترة واجهت الكثير من الصعوبات التي تتعلق بإزدحام وقتها وانشغالها بشكلٍ دائم.
وكانت "آية" كلّما مضى الوقت أكتر، زادت موهبتها إتقانًا، لتنتقل بسلاسة من لقب عاملة "حديثة العهد" إلى فنّانة مُتقنة لعملها، ليُمكنها انفتاحها على التعلم وخوض التجارب الجرئية، من إضفاء أسلوبها ولمستها على قوالب الكيك.
تحكي لنا: "لم يتوقف الشغف للحظة، كنت أطور نفسي باستمرار، من خلال الممارسة والتجارب، أستمع لرغبات الزبائن، أُضفى بصمتي الخاصة، فتبدو الكيكة أخيرًا بشكلٍ آخذ في الجمال واللذة".
وفي سؤالنا "ما هو سرّ بصمتك؟" تُجيب: "رقي الشكل النهائي لقوالب الكيك يعتمد على البساطة واختزالها بألوانٍ معينة ومتناسقة.. من هنا صنعت لي بصمة تُميزني".
وتجد "آية" في اختلاف أذواق الزبائن، سببًا آخر في صقل موهبتها وتطويرها وخوض تجارب جديدة أثبت نجاحها فيما بعد، "لا أتذكر أنني فشلت في صناعة قالب ما، بفضلٍ من الله في كل مرة كنت أزداد نجاحًا وإتقانًا".
بعد خمس سنواتٍ من العمل في "مزاج" كانت ضيفتنا على موعدٍ مع خوض تجربة من نوعٍ فريد، في مجال تزيين الكيك في مطعم "بالميرا" واحد من أكبر مطاعم غزة أيضًا، حيث أنها طوّرت العمل في قسم الكيك من خلال إنشاء زاوية للتشكيل عليها وفق رغبات الزبائن.
هذا الإتقان فتح لـ "آية" النجاح من أوسع أبوابه، بدا صوتها فَرحًا وهي تُحدثنا عن ردود أفعال الزبائن تجاه أعمالها: "كنت أتعامل بحبٍ مطلق مع كل قالب أُشكله، وهذا يُعطي نتائج باهرة، لذا لا أذكر أنني قابلت ردًا سلبيًا منهم على أعمالي".
وتختم الفنانة "آية" حديثها الممتع بنبرة واثقة: "دائمًا يقولون لي طموحك أكبر منك، لكن لم يسبق لي أن سعيت لشيء ولم يُعطيني إياه الله، لذا سأجتهد لليوم الذي أُلبي فيه طلبات كيك خارج حدود قطاع غزة".