الساعة 00:00 م
الجمعة 26 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.76 جنيه إسترليني
5.37 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.08 يورو
3.8 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

لينا ومالك .. ولهفة اللقاء الأول!

حجم الخط
الأسير مالك بكيرات مع ابنته لينا في أول لقاء لهما بعد 19 عاما
القدس - وكالة سند للأنباء

لم يُزهر ربيعها في كنف وأحضان والدها كغيرها من فتيات أشرقن بين ربوع ذويهن، سُقين الحب والاهتمام والرعاية منذ اللحظة الأولى، وتكللن بحمايتهن ومؤازرتهن في جميع تفاصيل حياتهن، لينا لم يكن القدر ليكتب لها هذا.

أبصرت عينا طفلة على فقدان ملاذها الأول، بلا قبلةٍ تطبع على جبينها، ودون رائحة والدها، وصوتِ دعائه احتفاءً بها، لتكبر على فراغٍ لم تخفف وطأة آلامه طول الأيام والسنين، ويكبر معها الأمل رويداً رويداً.

في الـ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2001 في مدينة بيت لحم، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مالك بكيرات، أثناء مروره على أحد الحواجز العسكرية، وحكمت عليه بالسجن 19 عاماً، ولم يمض على زواجه آنذاك سوى بضعة أشهر، بينما كانت لينة في رحم والدتها.

مقعدٌ فارغ

مضى 19 عاماً، أصبحت فيه لينا فتاة يانعة، يظللها حب جدتها وجدها طيلة السنوات، ومحاولاتٍ لملأ فراغٍ حبيبها الأول، وكتفها الذي فقدته قبل أن تختزل له ولو حتى لقاءً وحيداً في ذاكرتها الفارغة من مواقفٍ تجمعهما ولو لمرة، قبل أن يسلبه الاحتلال الإسرائيلي منها لسنين طويلة.

عاشت لينا الكثير من التفاصيل والأحداث المختلفة، أفراحٌ وأحزان، قصص عديدة، لكنها بقيت دائماً عالقة في وسط مشاعرها، لأن هناك مقعداً فارغاً في كل مرة، لم يُملأ بوجه أبيها، لتبقى غصةً تجثم على صدرها، تزيحه بصلواتٍ أن يا الله لقاء يجبر القلوب.

ترعرعت لينا في حبٍ كبير من عائلتها، فكانوا متكأ لقلبها، وسنداً لها في كل مراحل حياتها، إلا أن الأب شيءٌ لا يمكن تعويضه، تحتاج الفتاة لكتف أبيها وقلبه، تُحادثه بكل شيء.

وعن تجارب الحياة التي مرّت بها لينا تقول لـ "وكالة سند للأنباء"، إن هناك العديد من المواقف تحتاج فيها الفتاة لوجود أبيها أكثر من أي شخص آخر، لكني كنت حينها أجعل من نفسي سنداً لنفسي، وأحاول اجتياز كل شيء بالاعتماد على نفسي، وقد كبرت قبل أواني.

سنوات عجاف

لطالما تمنت لينا أن يربت والدها على كتفها، أن يحتفي بها فرحاً حين نجاحها، خاصة بعد اجتيازها لمرحلة الثانوية العامة، فكان حاضراً دائماً بين كلماتها، ولم يغب ذكره وحبه في كل مناسبات عائلتها، فكل المناسبات كانَ ينقصها دائماً وجه أبيها.

زياراتٌ لم تكن لتروي قلب لينا كثيراً، فالحواجز الزجاجية كانت دائمة كسدٍ منيع يمنع التقاء الأجساد، وتُخفي الكثير من الأشواق خلف أسوارها، وسجانٍ بغيض يحاول سلب أي فسحةٍ للسعادة تنتاب قلوب أهالي الأسرى حين رؤيتهم لأحبائهم بعد غياب طويل.

وبعد مرور 19 عام عجاف، منح القدر لينا أن تحتضن والدها لأول مرةٍ دون موعدٍ يحدده سجان يقطع فيهِ تلك السعادة الغامرة، ويبدلها حزناً على فقدٍ سينتظر زيارة أخرى لتتلاقى الأعين، وتنبض القلوب بالحب مجدداً.

وعن تفاصيل ذاك اليوم تصفه لينا لــ "وكالة سند للأنباء": "أصبحت فيه على حلم العمر الذي كبرت على انتظاره، على اللقاء المشهود، واللحظة التي تتمناها كل فتاةٍ في هذا العالم، حضن والدها، ووجه أبيها، وساعة تتوقف عند تلك اللحظة، فلا يشوبها حزن ولا كدر، أن تتبدل كل تلك الليالي بضياء وجهه، وحديثه، وضحكاته".

سلبٌ للبهجة

اكتسى البيت بألوان البهجة والسعادة، كأن العيد حلّ على قلوب الحاضرين، وبهجةٌ سُكبت في الأرواح وكأن ألماً لم يزر تلك القلوب قط، ساعات كانت بمثابة أعوامٍ للمشتاقين، وصبر ثقيل يُكابده الجميع في ارتقاب لحظة الإفراج والتقاء الأحبة.

ولأن عقيدة الاحتلال هي السلب، لم يكن ليمنح عائلة بكيرات تلك السعادة دون أن ينقص منها شيء، وفي اللحظة المقرر فيها الإفراج عن مالك من سجن النقب الصحراوي، أعيد اعتقاله مجدداً، وتُركت العائلة عالقة في انتظارها.

تلك الليلة كانت بمثابة أعوامٍ مرت على قلب لينا وعائلتها التي نغّص الاحتلال عليها، وأبدل فرحهم حزناً وألماً، لكن أملاً معقوداً في قلوبهم كان يمنحهم الثبات في أن الصبر والأمل بالله هما اللذان سينتصران أخيراً.

وفي اليوم التالي، أشرق الحب والبهجة من جديد، بعد أن أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن الأسير مالك، ليكون الميلاد الأول له ولابنته لينا معاً، في ظل قربٍ ولحظات اجتماع تدوم دون موعدٍ محدد لانتهائها.

وعلى ناصية الطريق، وقف المشتاقون يصطفون، لهفة كبيرة، وقلب لا يتوقف عن الخفقان بشدة، حتى أطل مالك وأشرقت أرواح محبيه بنوره، وظمأت القلوب، فكان اللقاء الأول، واللحظة التي لا تنسى.

مشاعرٌ مختلطةٍ لم يتسع عقل لينا فهمها، كُلها تلاشت في أول لحظات اللقاء، وفي أول حضنٍ، وأول ابتسامة، وأول نداء غشي على روحها الأمان في قرب والدها بعد عمرٍ وانتظارٍ دام 19 عاماً من البعد.

سأعوض طفولتي

لن أترك والدي، وجلسته، وحضنه، بعد هذه اللحظة، سأعوض طفولتي التي ذهبت وهو في غياهب السجون كما تروي لينا لـ "وكالة سند للأنباء".

تيقن لينا أن لكل أسيرٍ في سجون الاحتلال الإسرائيلي قصصا وآلاف التفاصيل التي لا يكابدها سوى من يعيشها.

وتتابع: "الوالد هو السند الأول لكل فتاة في هذه الحياة، وغيابه سيجعلها تكبر دون وجوده، ولطالما ستتألم كثيراً، وستفتقده أكثر".

لينا التي ستبدأ حياة جديدة مع والدها، لم تعشها قبل ذلك تؤكد أن الأب مهما حاول الاحتلال أن يُغيبه خلف السجون فهو قريب وفي قلب أهله وأبنائه وأحبابه، سيبقى الحبيب والصديق، فالحب لا يُبهته البعد ولا طول المسافات مطلقاً.