بأوانٍ عايشت حكايات الجدات، واسترقت السمع لدعواتهن، ومغارفَ للطهي اتخذت شكلَ أصابعهن، ونار يوقدها الزوج، وحبات عرق تمتزج مع ملامح البساطة في وجه الزوجة لتطهو حبات القمح الذهبية بكل حب.
قصتنا من شمال مخيم جباليا شمال قطاع غزة مع سائد وإيمان تايه، وهما زوجان في الثلاثينات من العمر ولديهما ابنتان "زينة وسمرا"، يمتلكان مشروعًا لإعداد المفتول البدرساوي.
على نار هادئة وداخل فرن الطينة تستوي قدور المفتول البدرساوي التي تجهز على طريقة أهل "بيت دراس" المشهورين بهذه الأكلة الشعبية، تمهيدًا لتقديمها على أطباق جميلة تلبية للعزائم خلال شهر رمضان.
"المفتول البدرساوي" هو نسبة لقرية بيت دراس وهي قرية فلسطينية هجر أهلها بعد احتلالها من قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م.
يقول الزوج سائد في حواره مع "وكالة سند للأنباء"، "لم ننطلق بمشروعنا في ليلةٍ وضحاها، كنا نبحثٌ في البداية عن مصدر دخل نعتاش منه، وفي ذات الوقت أردنا الخروج بفكرة تميزنا عن غيرنا".
وتقول زوجته إيمان إن "هناك إعجاب كبير من أقاربنا ومعارفنا الذين يتذوقون هذه الأكلات التي نقدمها في العزائم".
المفتول وفرن الطينة
فرن الطيبة كلمة السر، فهو تراث فلسطيني معروف ومشهور، ولا طعم للمفتول البدرساوي إلا حينما تطهوه نيران الفرن على مهل، تلك قصة قديمة توارثها أهل بيت دراس عن أجدادهم، كما يقول سائد.
وبسبب ما كسبوه من خبرة ودراية في طبخ أطباق المفتول البدرساوي أصبح الزوجان (سائد وإيمان) قادران على تلبية طلبات الراغبين بتناول هذه الأكلة الشعبية.
ولا يوجد للمفتول البدرساوي نوع واحد؛ فهناك أنواع مختلفة ومتنوعة، منها ما هو مجفف أو مدخن أو بالطريقة التقليدية، وأيضًا هناك طريقة خاصة للذين يريدون السفر به إلى خارج غزة.
طريقة التقديم
هناك طقوس ترتبط ارتباطًا قدريًا بهذه الأكلة، وبدونها لا طعم ولا لذة للمفتول، فالدجاج الذي يتزين فوق أطباق المفتول شيءٌ أساسي وضروري.
تقول إيمان: "الدجاج يعطي للمفتول نكهة لذيذة لا تقاوم، نحن نستخدم مرقة الدجاج في إعطاء نعشة ونكهة لهذه الأكلة بجانب التوابل ذات الجودة العالية".
وتشير إلى أنها حريصة وزوجها على تقديم المفتول البدرساوي بطريقة تبهر الزبون قبل أن يتذوق حتى يعود طالبًا لهذا الطبق مرة ثانية.
وكما أن إعداد هذا الطبق يحتاج لمهارات خاصة تمنحه الحياة، فإن تغليف هذا الطبق لإبرازه بشكل جميل أيضًا يحتاج إلى ذوق وقدرة، جزءً لا يتجزأ من طقوس "المفتول البدرساوي".
إقبال
استطاع المشروع أن يدر على إيمان وسائد كسبًا بمقدار معقول مكنهما من العيش بهناء ودون العوز.
ولأن طبق "المفتول البدرساوي" من إعدادهما؛ فهما تغمرهما فرحة كبيرة، وسعادة وافرة، وشعور بالرضا عن إنجازهما الذي أصبح الإقبال عليه كبيرًا، كما يقول سائد.
ويضيف أنه المشروع وصل إلى مرحلة مهمة رغم حاجته إلى القدرة على التسويق بإنتاج مواد إعلانية إضافة لمعدات متطورة توفر الجهود والوقت في آن واحد وتساهم في إعداد الطبق الجميل.
وبات سائد يستعد لتوريد كميات كبيرة تجاوزت الـ 30 كيلو للمطاعم التي أصبحت الآن في غزة تعتبر "المفتول البدرساوي" أحد الوجبات الرئيسة التي تقدم للجمهور في كل يوم جمعة.