الساعة 00:00 م
السبت 20 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.31 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.01 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

آخر نحّاس بالقدس

النّحاس "عبد الجواد" ينفخ بمهنة ليُحييّ زمناً يحتضر

حجم الخط
245136489_1782743958589833_7634158572406656691_n.jpg
القدس- أحلام عبد الله -وكالة سند للأنباء

بين عتباتٍ وأزقةٍ يسير الزائر فيها وسط الوجوه التي تعبر جواره، ورقة خلف ورقة ينقشع ضباب الوجوه والأسماء الكثيرة لتصبح جزءا من الحكاية، ومن أجواء أزقة وشوارع البلدة القديمة بالقدس تصبح أنت القارئ واحدا من الذين يسيرون منشدين إلى رائحة القهوة الصباحية التي تعبق جو الأزقة والحارات التي تتوالد بعضها من بعض.

كل زاوية من البلدة القديمة تشهد على تاريخ عريق ومعمار مبهر، في الطريق إلى حانوته بالقدس القديمة، على المار أن يجتاز عدة أزقة وأسواق، ليصل لسوق الخواجات الذي أغلقت معظم محاله أبوابها، حتى يصل إلى الحانوت الذي تكدست فيه نحاسيات متعددة الأشكال والأحجام والأعمار.

مهنة الأجداد

243160597_1782743948589834_4412846568255332719_n.jpg
 

وعند الوصول إلى حانوت المقدسي محمد عبد الجواد تختفي روائح القدس العتيقة وتطغى رائحة القطع النحاسية المتراكمة.

ورث المقدسي الخمسيني تلك الحرفة عن والده وجدّه منذ الصغر، خلال مراقبته لهما وهما يصنعان الأدوات النحاسية، فتعلمها وأتقنها في بيته بحارة السعدية بالبلدة القديمة.

ويقول محمد لـ"وكالة سند للأنباء"، "كان سكان القدس قديما يستخدمون الأواني النحاسية في الطبخ وتناول الطعام والوضوء وشرب الماء، وكانت كافة المنازل تعتمد على البابور النحاسي وكان تصليحه مصدر رزق لنا".

ويواظب "عبد الجواد" على فتح حانوته في محاولة منه لإحياء مهنة وسوق أتى الدهر على عمرهما، فيقول" ينحصر عملي في ظل العزوف عن شراء أدواته النحاسية بسبب صعوبة تنظيفها وظهور أواني للطبخ أسهل بالتنظيف مقارنة فيها، فأصنع  بعض الأدوات للمطاعم، مثل قوالب الفلافل لمطاعم القدس التي أقوم أنا بصناعتها".

ويضيف" يقصدني أهل الشمال بالداخل المحتل لتلميع صبابات القهوة التي تستعمل بكثرة في تلك المنطقة، كما يقصدني أصحاب محلات الأنتيكة لاقتناء بعض القطع لمحلاتهم أو ليعيدوا الحياة للقطع التي حال الزمان عليها في تلك المحلات".

ويتابع "أقوم بتصليح  بابور الكاز في بداية موسم الشتاء لمن بقي وفيا لها ويستخدمها، وأنظف الأواني النحاسية وأغلفها بالقصدير لحمايتها من المواد السامة".

ويختزل دكان النحّاس المقدسي ثقافات الشرق والغرب فيحوي حانوته الثقافة الإيرانية والهندية والمغربية والتركية والجزائر وتونس، ويسافر للمشاركة في عدة معارض لينقل التراث الفلسطيني، ويشير إلى بعض معروضاته قائلا "هذه القطعة إيرانية مثلا، وتلك لم أعرف مصدرها، فقضيت أسبوعين أبحث عنها في الإنترنت حتى عرفت أنها يابانية الأصل".

243298214_1782743988589830_8719743203842595337_n.jpg
 

مهنة تحتضر

ويرى "عبد الجواد" أن المستقبل أمام هذه المهنة ليس مبشرا، وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويرفض إغلاق الحانوت والتخلص من محتوياته خوفا من اندثار الحرفة التي لم يعد يمارسها سواه في البلدة القديمة، ويقول "لن يفتح أبنائي الحانوت بعد موتي لأنه لا يمكن الاعتماد عليه في كسب قوت أسرة مقدسية، لكنني سأحيي هذه الحرفة ما حييت ولا أكتفي بعرض بضائعي بالحانوت بل أشارك بين حين وآخر في معارض دولية.

ويشير المقدسي أنه يعمل حارسا بالمسجد الأقصى إلى جانب مهنته، فيقول" أعمل حارسا للمسجد الأقصى منذ الصباح حتى الساعة الثانية ما بعد الظهر، وما ان انتهي من عملي أذهب لحانوتي لأكمل ما بدأت به بالأمس".

245150765_1782743835256512_3894667204806512215_n.jpg
 

تاريخ عريق

 ويضم سوق الخواجات 55 حانوتا أغلق 45 منها أبوابها حتى الآن، وتعود بدايات السوق إلى الفترة المملوكية، وسمي قديما بسوق "الصُيّاغ" نسبة لمهنة صياغة المجوهرات.

واشتهرت بعدها بصناعة الأدوات النحاسية بالسوق نظرا لعشق السلاطين والأمراء ممن مروا على مدينة القدس للنقوش والزخارف النباتية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية المنقوشة على الأواني النحاسية، حتى باتت هذه النقوش صفة تميز العالم الإسلامي ولها سوق خاص بها في القدس.

وفي نهاية القرن التاسع العاشر بدأت مهنة النحاسة تتراجع تدريجيا، ولم يبق منها في البلدة القديمة الآن سوى حانوت محمد عبد الجواد، ويعود السبب في ذلك إلى اجتياح تجار الأقمشة السوق الذين بدأوا ببيع الأقمشة اليونانية والتركية ذات الجودة العالية بالجملة، وكان معظم زبائنهم من أهالي مدينة القدس البرجوازيين.

245149449_1782743985256497_143584810396674362_n.jpg
 

وهكذا تحول اسم السوق من النحّاسين إلى سوق الخواجات، وسُمي بسوق الخواجات لأن معظم ممولي الأقمشة لهذا السوق كانوا من "الخواجات"_ التجار اليونانيين_ الذين باعوا الأقمشة سنوات طويلة لأصحاب الحوانيت العرب.

 ويتسائل النحّاس المقدسي لماذا تموت الحرف التي نقشت هوية شعبٍ سنينَ طويلة؟

سؤال يتكرر مع كل حرفة تراثية قديمة تلفظ أنفاسها الأخيرة دون أن ينتبه إليها إلا القليلون؟

فحرفة النحّاس واحدة من الحرف التي يطويها النسيان في القدس فأين يُدافع النحّاس المتبقي عنها دون أن يتعلمها منه أحد.

245132353_1782743858589843_2541379116202052005_n.jpg

يُشار إلى أن الصور المرفقة من تصوير الصحفية المقدسية لطيفة عبداللطيف.