"ليس بعد الموت عقوبة"، عبارة تبدو بديهية أو أمرٌ مفروغ منه إلا في إسرائيل فالموت ليس عقوبة كافية، بل تمتد لاحتجاز الجثمان وتجميده في ثلاجة وعدم تسليمه لذويه، ضمن سلسة الانتهاكات الفادحة التي تُرتكب بحق الأسير الفلسطيني، وبالمقابل لا رداع ولا مساءلة.
كانت تستخدم سلطات الاحتلال احتجاز الجثامين لأمر طارئ ومؤقّت، لكنّها تدريجيًا أصبحت سياسة معتمدة مدعومة من القضاء الإسرائيلي، وفي هذا التقرير تُسلط "وكالة سند للأنباء" الضوء على الأسرى الشهداء الذين قضوا داخل الزنازين، وأبرز القوانين الإسرائيلية بهذا الشأن.
ليسوا مجرد أرقام..
استشهد داخل الأسر سبعة أسرى، وتصّر سلطات الاحتلال على الاحتفاظ بجثثهم في ثلاجات الموتى لأسباب سياسية.
والأسرى الشهداء هم: عزيز موسى عويسات (55 عاماً) من القدس معتقل منذ عام 2014 واستشهد بتاريخ 20/5/2018، ويقضي حكماً بالسجن 30 عاماً، والشهيد فارس أحمد بارود (51 عامًا) من قطاع غزة، معتقل منذ 1991، واستشهد بتاريخ 6/2/2019، يقضي حكماً بالسجن المؤبد.
والشهيد بسام السايح (47 عامًا) من نابلس، معتقل منذ العام 2015 واستشهد بتاريخ 8/9/2019، ويقضي حكماً بالسجن المؤبد مرتين.
ويضاف لقائمة هؤلاء الشهداء الأسير سامي أبو دياك (36 عامًا) من بلدة سيلة الظهر جنوب جنين المعتقل منذ 2002 واستشهد عام 2019 داخل السجون الإسرائيلية بعد إصابته بمرض السرطان.
في حينه رفض الاحتلال تسليم جثمان أبو دياك لذويه، وظّل في ثلاجات الموتى عشرة أيام، ليُطلق بعدها سراح الجثمان شريطة دفنه في الأردن بذريعة عدم امتلاكه أوراقاً ثبوتية، في حادثة أقل ما توصف بأنها بعيدة عن المنطق.
كذلك الشهيد كامل أبو وعر (46 عامًا) من جنين، معتقل منذ عام 2003، واستشهد بتاريخ 10/11/2020، ويقضي حكماً بالسجن المؤبد 6 مرات.
ومن شهداء الحركة الأسيرة أيضًا الشهيد سعدي الغرابلي (75 عامًا) من قطاع غزة، معتقل منذ عام 1994 واستشهد بتاريخ 6/7/2020، يقضي حكماً بالسجن المؤبد، والشهيد سامي عابد العمور (39 عامًا) من قطاع غزة، معتقل منذ عام 2008 واستشهد بتاريخ 18/11/2021، محكوم بالسجن لـ 19 عاماً.
احتجاز جثمان أسير موقوف
ويتحدث مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري، عن حادثة الأسير نصار طقاطقة الذي استشهد منتصف عام 2019 في العزل الإنفرادي بمعتقل "نيتسان" الإسرائيلي في الرملة.
ويُضيف "طقاطقة" لـ "وكالة سند للأنباء" أن هذا الشهيد كان موقوفاً ولم يصدر بحقه حكم قضائي، ومع ذلك يرفض الاحتلال تسليم جثمانه لذويه حتى اليوم.
ويُبين أن احتجاز الجثامين ورفض تسليمهم لذويهم ممارسة غير قانونية وغير مسبوقة، حيث لا توجد ولا دولة عضو في الأمم المتحدة تمارس هذا الفعل البشع"، لافتاً إلى أن هذا الإجراء كان يمارس فيما مضى خارج نطاق القانون الإسرائيلي.
وأقر المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في إسرائيل "الكابينت" في تشرين/ أكتوبر الأول 2015، العودة إلى احتجاز جثامين الشهداء والأسرى، وبعد تحريك المؤسسات الحقوقية لهذا الملف، تم الإفراج عن عشرات الجثامين بقرارات قضائية.
ويُتابع:" في 2019 أقرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية خلال نظرها في إحدى الملفات، بعدم وجود أي سند قانوني لهذا الإجراء، وبدل أن تقوم بتجريمه أمهلت الحكومة 6 أشهر لسن قانون وشرعنة احتجاز الجثامين بأثر رجعي، وهو ما كان بعد ذلك".
ويُشير إلى أن القانون الجديد أعطى صلاحيات للمستوى السياسي، باحتجاز الجثامين من أجل استخدامهم كورقة ضغط على فصائل المقاومة في قطاع غزة لتسريع صفقة تبادل أسرى وتحسين شروط إسرائيل التفاوضية.
ويستند الجيش الإسرائيلي في إيجاد صلاحية لاحتجاز الجثامين على قانون الطوارئ 133 لعام 1945، وصيغته المعدلة الحاليّة التي تعود للعام 1948 التي تعطي صلاحيات للقائد العسكري باحتجاز ودفن جثامين مؤقتاً واستغلالها كورقة مفاوضات.
ويهدف الاحتلال أيضاً من احتجاز جثامين الشهداء الأسرى معاقبة ذويهم وزيادة معاناتهم بعد فقدان أبنائهم، إذ يحرمون من إلقاء نظرة الوداع عليهم ودفنهم حسب الطريقة الإسلامية.
هذا الإجراء يتعارض مع "اتفاقية جنيف الأولى للعام 1949"، التي تؤكد على ضرورة تسليم الجثامين لذويهم واحترام كرامة المتوفين ومراعاة طقوسهم الدينية خلال عمليات الدفن .
لا أفق للحل.. لا سياسي وقانوني
وحول الخيارات القانونية لمواجهة هذه السياسة، يقول "العاروري": "للأسف نستنتج من التعنت الإسرائيلي، أن أبواب القضاء شبه مغلقة لحلحلة هذا الملف، فجميع الالتماسات الأخيرة التي قُدمت للمحكمة العليا تم رفضها".
وتحدث عن جهود تبذل لتدويل القضية والتوجه إلى القضاء الدولي، مستطردًا: "لكن هذا الخيار يحتاج لوقت وجهد كبير، وقد بدأ فعلياً على الأرض منذ مدة".