الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

الأمومة المعتدلة.. قليل من الإحباط لطفلك لا يضر

حجم الخط
الأم والطفل
لندن-وكالات

تشعر أغلب الأمهات بالتقصير في رعاية الأبناء؛ فمهما كانت الأم متفانية، تجد دائما أسبابا تشعرها بالتقصير، سواء عن طريق مقارنة نفسها بأمهات أخريات، أو بالنظر إلى الصورة المثالية للأم التي يرسخها المجتمع طوال الوقت، والتي تقوم على التضحية الكاملة من الأم برغباتها وأهدافها الشخصية وإحاطة أطفالها بالاهتمام طوال الوقت؛ فكلما كانت الأم أكثر اهتماما بهم وبتفاصيلهم الحياتية والدراسية والاجتماعية، تصبح أمًا أفضل.

لكن يبدو أن علماء النفس لهم رأي آخر يظهر في مفهوم (Good enough mothering) الذي يمكن ترجمته إلى "الأمومة الجيدة بما فيه الكفاية"، والذي صاغه طبيب الأطفال والمحلل النفسي البريطاني دونالد وينيكات في كتابه "اللعب والواقع".

عندما ناقش وينيكات تكيف الأم أو غيرها من القائمين على رعاية الطفل، اعتقد أن الأم "الجيدة بما فيه الكفاية" تتكيف في البداية بشكل كامل مع احتياجات طفلها؛ فتكرس وقتها بالكامل له، تضحي بنومها واحتياجاتها الخاص لتلبية احتياجات الطفل الرضيع، لكنها بمرور الوقت تسمح لرضيعها بالشعور بقدر ضئيل من الإحباط. ويؤكد أن المهلة الزمنية لهذا الإحباط يجب أن تكون قصيرة جدا؛ فيمكنها أن تتركه يبكي لبضع دقائق قبل إطعامه ليلا، بضع دقائق لا أكثر، بحيث يجرب الطفل قدرا صغيرا من الإحباط.

الأمر المثير للتفكير في فكرة وينيكات عن الأم الجيدة هو ربط مفهوم الأمومة الجيدة بالتطور المعرفي للطفل وتطوير مفهوم صحي للواقع الخارجي. ففي البداية يختبر الطفل الأم كجزء من وجوده نفسه، وليس كشخص منفصل عنه، ولكن مع مرور الوقت وانفصال الأم عن الطفل للحظات، تثير تلك اللحظات بدايات النشاط العقلي للطفل وشعوره بالعالم الخارجي.

يؤكد وينيكات أن استمرار تكيف الأم الكامل مع حاجات الطفل لفترة طويلة يجعل إحساس الطفل المتزايد بالعالم الخارجي بعيدا عن نفسه ومشوها وغير مكتمل، ويبقى في العالم الوهمي، ويعتقد أن مجرد وجود حاجة خاصة به سيؤدي إلى تحقيقها على الفور، وبالتالي لن يدرك معنى الواقع الحقيقي.

الكمال ليس خيارا

لا يمكن للأم الحفاظ على المستوى نفسه من الاهتمام بأطفالها إلى الأبد، ولا ينبغي أن تفعل ذلك.

يحتاج الأطفال إلى تقبل الإحباط ليتمكنوا من الحياة في عالم غير كامل وغير مثالي. ففي كل مرة لا نرد على اتصالاتهم، أو لا نعطيهم اهتمامنا بالكامل، في كل مرة نطعمهم طعاما لا يفضلونه، أو نجعلهم يشاركونا أعمال المنزل بدون رغبة منهم، كأننا نجهزهم للحياة في مجتمع سيحبطهم ويخيب آمالهم بشكل مستمر.

يحتاج الأطفال إلى التعلم بطرق صغيرة يوميا أن العالم لا يدور حولهم، وأنه لا يمكن الوفاء بكل طلباتهم، وأن ما يفعلونه يؤثر على الآخرين؛ فهم بحاجة إلى التعلم من خلال التجربة أن الحياة يمكن أن تكون صعبة، وأن الإحباط وخيبة الأمل جزء من الحياة، وعلى الرغم من ذلك سيبقون بخير.

إذا لم يمر الأطفال بهذه التجارب مطلقا، ولبى الوالدان احتياجاتهم في كل مرة، فلن يمتلكوا القدرة على مواجهة تحديات الحياة وإداراتها، ولن يتعلموا أنه لا بأس من الشعور بالملل أو الانزعاج أو الحزن وخيبة الأمل. ولن يتعلموا أن الحياة ستستمر رغم الألم، ولن يقاتلوا للتغلب على تلك المشاعر السلبية والخروج منها.

تصل الأم إلى مرحلة ما بحيث لا يمكن أن تقدم ما هو أكثر، لأن الكمال ليس خيارا من الأساس، سواء كان ذلك بتقديم المزيد من الحلوى المفضلة، أو بتركهم يمارسون الرسم على الجدران بالألوان، أو السهر طوال الليل لمشاهدة الأفلام المفضلة، حتى وإن استطاعت الأم أن تصل إلى المثالية، فإن النتيجة النهائية ستكون طفلا حساسا وهشًا، لا يتحمل أقل خيبة أمل أو إحباط. قد يشعر أطفالنا بالألم أو الإحباط لكنهم في كل مرة يتغلبون على تلك المشاعر ويتعلمون مكافحة الألم رغم صعوبة الحياة.

ليست هناك طريقة واحدة

يعطي ذلك المفهوم اتساعا في رؤية الأمومة، حيث إنه لا توجد طريقة واحدة صحيحة للأمومة؛ إذ يمكن أن تتخذ أشكالا عديدة وتبقى جيدة بما يكفي لتوفر للطفل رعاية حساسة وسريعة الاستجابة. من المهم معرفة أن الاستجابة هنا يجب أن تكون مناسبة لاحتياجات الطفل، وليس من وجهة نظر الوالدين أو أحدهما، لذلك فإنها تختلف حسب قدرات الطفل وعمره ونموه.

يقول وينيكات إن على الأمهات الثقة في حدسهن الفطري وقدراتهن على التعامل مع أطفالهن؛ فذلك الحدس يوجههم لما يجب أن يفعلوه مع أطفالهن من دون تعقيدات أو مبالغات، لتصل الأم في النهاية إلى توازن بين التربية الجيدة للطفل وتلبية احتياجاته، وفي الوقت نفسه عدم تجاهل نفسها بوصفها شخصا له احتياجات.