الساعة 00:00 م
الإثنين 06 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

زيارة الأسرى في السجون.. لقاءٌ يهون في سبيله عذابات الانتظار

حجم الخط
زيارة الأسرى في سجون الاحتلال
غزة – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

هل تساءلت يومًا كيف لأحدٍ منا يرغب برحلةٍ طويلة مليئة بعذاباتٍ لا تنتهي من أجل لقاءٍ قصير جدًّا؟، تُجيبنا عن ذلك صورة الأم الفلسطينية أو الأب، الذين يقطعون مسافات طويلة برحلةٍ تستغرق 15 ساعة؛ من أجل زيارة ابنهم الأسير المسجون منذ سنوات، لوقتٍ ينحصر بدقائق معدودة.

أرأيتم كيف يكون أطول طريق بين نقطتين، أن يلتقي طرفاه وجهًا لوجه لكن بينهما عازل زجاجي، يحرمهما من لحظة عناق أو لمسة يد حانية! أما الصوت فيأتي عبر هاتفٍ حديدي، يُسمع منه أصوات متقطعة وفي مجملها تُعبّر عن الشوق ووجع الانتظار.

بالطبع هكذا تكون الزيارة بعد طريقٍ طويل يبدأ عند الساعة الثالثة فجرًا، حيث تنطلق الحافلة مُحمّلة بأهالي أسرى قطاع غزة الذين يستعدون لرؤية أبنائهم، رحلة بين لهفةٍ وشوق، بين حنينٍ وألم، بين عثرات الطريق والتفكير بلذةِ الوصول إلى الزجاج الذي يفصل الأسير عن ذويه.

زيارة الأسرى.jpg
 

بعد مسافاتٍ طويلة، وعرقلة استفزازية لأهالي الأسرى، يصلون لمحطة الذل والإهانة عند معبر بيت حانون/ إيرز، ويخضعون للفحص والتفيش بماكناتٍ إلكترونية، يُجردون فيها من كل أغراضهم، في حين يتعمد جنود الحراسة، زجَّ النساء في غرف مغلقة للتفتيش العاري.

وفي هذا التقرير استمعت "وكالة سند للأنباء" إلى أنين عوائل فلسطينية من قطاع غزة عانت في رحلة الوصول إلى أبنائهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

"أطير شوقًا"..

تصف "أم كرم"، والدة الأسير أحمد الشنا المسجون منذ 11 عامًا الزيارة بـ "المعاناة الشرسة"، مُضيفةً: "هي زيارة صعبة لجميع أهالي الأسرى، إذ تأتي بعد رحلة طويلة من المعاناة والشوق".

وعن استعدادها للزيارة تقول: "أبدأ بتجهيز نفسي قبل أسبوع، ويطير قلبي شوقًا وفرحًا وأنا أعد حاجيات ابني أحمد التي يريدها من ملابس وأغطية، فالاحتلال يمنع دخول الكثير من الأغراض وبعض ألوان الملابس".

وتضيف: "نخرج من المنزل الساعة الثالثة والنصف فجرًا، ونقطع مسافات طويلة من أجل 45 دقيقة لا تكفي لإشباع شوقنا من أبنائنا، وعند الوصول لمعبر إيرز نخضع لتفتيشات قاسية، يُمنع منها الألبسة التي تحتوي على قطع حديد مثل "السحاب، الأزرار، الخرز، ملقط الشعر".

زيارة الأسرى 4.jpg
 

وتُشير إلى أن الاحتلال يحتجزهم لساعات بعد مرورهم من المعبر واقترابهم من السجن؛ ولا يوجد أسباب منطقية لذلك فقط لـ "استفزازنا والتنكيل بنا".

وماذا عن رحلة الطريق، بماذا تُفكّرين؟ تُجيبنا بكلماتٍ بعد تعب بلهجتها البسيطة "إيه يا إمي، كل شيء بيخطر في بالي، ونفسي أقوله لابني، بتذكر كيف كانت طفولته، وكيف كان ذكي وقوي، بحاول أجمع كل الأخبار الحلوة لأسردها له".

لكنّ ثمة شعور يُلجمها عن الحديث عند رؤيته تقول "كل الحكي بيروح وبمسك السماعة وأظلّ متلهفة لسماع صوته، على أمل أن يُكسر الزجاج الذي بيننا وأحتضنه".

ولا تستطيع "أم كرم" البوح بمعاناة الطريق لنجلها كي لا تُشعره بالقلق، لكنه يقرأ في عينيها التعب كاملًا، موضحةً أنها ترى أيضًا في "ملامح ابنها خارطة الوجع لكنه يُظهِر لها العزيمة والقوة والمعنويات عالية".

وفي سردها لأصعب المواقف التي تمر بها كوالدة أسير تتحدث بصوتٍ خفيض: "أطلب من ابني أحمد أن يضع يده على الزجاج وأنا أضع يدي عليها من فوق الزجاج، بينما نبث شوقنا عبر سماعة الهاتف التي نتحدث خلالها".

وتلفت إلى أن السماعة التي يتحدثون بها مع أبنائهم مراقبة من قبل إدارة سجون الاحتلال، ورغم كل ما يُعانيه الأسير فإنه دائم الأمل بحياةٍ هانئة وجميلة تنتظره خارج أسوار السجن.

لكن ما الذي يتلهف له قلب "أحمد"؟ تُجيب: "دائمًا يخبرني أنه يريد أن يرى الشمس ولون السماء، أن يعرف لذة السهر على ضوء القمر، وهذا أمر موجع للغاية".

وتُكمل بلهجتها البسيطة: "الزيارة تبلّ الشوق رغم كل المعاناة، فمن خلالها أتمكن من لقاء ولدي الغائب عن أحضان عائلته 11 عامًا، لكنّ لا أخفيكم القهر يأكلني من الداخل فحياة أحمد متوقفة عند العُمر الذي أُسر فيه حين كان 20 سنة".

وعند انتهاء الزيارة، والعودة إلى الطريق الصعب، تُعبر "الشعور جدًّا صعب، في الباص "إذا رميتي إبرة بتسمعي صوتها"؛ فالقلوب تكون محملة بوجع ثقيل يُخفى عن الأبناء أثناء زيارتهم، فكل الأمنيات لو أننا نعود إلى بيوتنا برفقة أولادنا لكنّه قدر الفلسطيني".

لا يختلف وجع "أم كرم" عن "أبو باسل" والد الأسير باسل عريف إذ يقول: "منذ 23 عامًا لم أرَ ابني أبدًا، والشوق سكين في أوردة القلب".

وبنبرةٍ ثقيلة من الألم يُكمل "أبو باسل": "ابني محكوم مؤبدين و 52 سنة، وأمنيتي قبل الموت أن أحضنه بين إيديا (..) أراه أمامي؛ لكن أنا ممنوع بحُجة الرفض الأمني".

ويخبرنا بما يختلج نفسه: "زوجتي تزور باسل كل 3 سنوات مرة، لكن لو الجميع زار ابني، لا أحد سينقل الشعور الذي أريد أن أشعره بقرب باسل، صورته أمامي في كل الأماكن، لا يفارقني، حاضر معي بقوة، لا أفكر إلا به، ولا أتكلم إلا عنه، حتى في منامي يُرافقني".

ويطالب "أبو باسل" المقاومة الفلسطينية بوضع اسم نجله في أي صفقة تبادل أسرى؛ للإفراج عنه، داعيًا كافة سفارات العالم للالتفات لقضية الأسرى الفلسطينيين.

زيارات الأسرى.jpg
 

"أخبره بما يفرحه"..

بتفاصيل من الوجع، يسرد "أبو حافظ" والد الأسير عاهد أبو خوصة: "أنقل لابني رحلة الطريق، فأنا عينه للحياة خارج السجن، أصف له كيف الشجر وخضرته، والسماء وزرقتها، أنقل له الأخبار المفرحة وأخفي عنه كل شيء مُحزن، فالزيارة بالكاد أن تكفي لإشباع شوقنا".

وُيشير إلى أن ابنه استطاع أن يكشف خبر وفاة ابن عمه صديق طفولته، من خلال الملامح التي خانته، ويردد: "كنت رافضًا أن أخبره لكن علم بذلك".

وعن وقع الزيارة على نفوس الأسرى وذويهم يُحدثنا: "الزيارة ترفع معنويات الأسير وتمنحه قوة وإرادة وصبر على الأيام المريرة بدون أهله بجانبه".

وعن مشقة الطريق يقصّ: "أنا كبير بالسن وأعاني جدًّا برحلة الزيارة، لكن الموت في سبيل رؤية ابني نجاة"، مضيفًا: "عندما تنتهي الزيارة نبقى ننتظر في ممر صغير وضيّق؛ ليتم نقلنا لقاعة التفتيش الداخلي والخارجي قبل أن نخرج لانتظار الباص الذي ينقلنا من السجن إلى منطقة "إيرز"، ونخضع للتفتيش مرة أخرى بذات الطريقة".

"ذريعة المنع الأمني"..

المختص في شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة، يقول إنه لا يوجد برنامجًا منتظمًا لأهالي القطاع لزيارة أبنائهم، والزيارات غير مسموحة بشكلٍ طبيعي.

ويضيف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء" أن العشرات من الأهالي ممنوعين بشكل كامل بذريعة "المنع الأمني"، مُبيًّنا أن أهالي الأسرى هم أيضًا ضحايا الاعتقال، فمنع الزيارات يؤثر على الناحية النفسية للأسير وذويه، إضافةً إلى أن منع الأشقاء والأطفال يخلق فجوة اجتماعية كبيرة بينهما.

ويمضي بالقول: "يضطر الأهالي الخروج للزيارة ما قبل الفجر، ويعودوا لمنازلهم بعد غروب الشمس، ما يعادل 16 ساعة، ومسافة الطريق يتخللها تفتيش، واعتداء وإهانة".

ويبلغ عدد الأسرى من قطاع غزة، 220 معتقل من إجمالي عدد المعتقلين في السجون، ومنقطعين عن ذويهم وعن المجتمع الخارجي، بسبب رفض سلطات الاحتلال السماح لهم بالتواصل مع ذويهم وأقربائهم، سواء من خلال الزّيارات أو عبر الهاتف.