الساعة 00:00 م
الجمعة 26 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.76 جنيه إسترليني
5.37 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.08 يورو
3.8 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

"عامر" في عيون والده: فقدت جزءا مني..

بالصور حارس المخيم عامر زيتون.. نام بجوار قبور رفاقه الشهداء حتى نال ما تمنى

حجم الخط
الشهيد عامر زيتون
نابلس - وكالة سند للأنباء

ستة عشر عامًا، تكون كفيلة بأن تجعل من طفل ولد وعاش في زقاق المخيم رجلًا، وكفيلة أيضًا لتُطعمه من خبز الفراق وقسوته وهو لا يزال على عتبات عمره الأولى، فيأخذه الشوق ووجع الغياب إلى جوار قبور أحبابه، ويُسر لهم بأنك تتمنى الشهادة لتلحق بهم.  

لم يكن قد مرّ على بداية العام الجديد سوى أيام، ليعلن الحداد في مخيم بلاطة للاجئين شرق نابلس، حزنًا على فراق الفتى عامر زيتون (16 عامًا)، الذي ارتقى شهيدًا بعد إصابته برصاص قوة إسرائيلية خاصة اقتحمت المخيم، في الرابع من كانون ثاني/ يناير الجاري.

ورغم صغر سنه، إلا أن قلب الفتى اكتوى بنيران الفراق لأصدقائه المقربين، ليودعهم واحدًا تلو الآخر، حتى أنه لم يعد يطيق الفراق أكثر، فوُسد جسده في ضريحه إلى جوارهم بعد أن خاض تجربة النوم إلى جوارهم "حيًّا" مرات عديدة.

عن تفاصيل اللحظات الأخيرة، تتحدث والدة الشهيد "أم محمود" لـ "وكالة سند للأنباء" "كان يوم الأربعاء، حيث أنهى عامر عمله اليومي في متجر الفواكه بمدينة نابلس، وعاد للمخيم مع انتصاف الليل تسامر مع أصدقائه قليلًا ثم جاء إلى المنزل يتسامر معي".

322553102_573913127455468_4384616148305836939_n.jpg
 

تستجمع الأم الثكلى قوتها وتقول: "سألني عامر من سيحضر جلسة المحكمة لأخيه الأسير محمود يوم الخميس؟ فأخبرته لا أحد، فقال لي أنه سيحضر هو المحكمة، فعرضت عليه أن نذهب سويا".

"بشكل متسارع مرّت الأحداث خلال دقائق معدودة"، وتضيف: "خرج عامر من البيت قاصدا محل البقالة لشراء بعض الحاجيات، وفي تلك الأثناء بدأت الأنباء تتوارد عن وجود قوات خاصة في المخيم".

فوجئ "عامر" بوجود القوات الإسرائيلية الخاصة، فبدأ بالصراخ محذرا أهالي المخيم من الاقتحام، لكن الاحتلال كتم صوت الفتى الوطني برصاصتين أصابتا يده ورجله، وعندما سقط أرضا أصابه برصاصة أخرى قاتلة برأسه.

حتى تلك اللحظة لم تكن أم الشهيد تعرف ماذا حصل بابنها، حتى بدأت الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر خبر إصابة "عامر"، وتردف: "لم نتمكن من الخروج من البيت أبدًا بسبب الانتشار الكثيف لجنود الاحتلال".

مرّت الدقائق ثقيلة على قلب "أم محمود" وعائلة الشهيد، تضاربت الأنباء، والحديث عن منع سيارات الإسعاف من الوصول إليه كانت وكأنها نار تشتعل في قلوبهم.

لم تكن لحظات ساكنة، فأصوات الرصاص والاشتباكات المسلحة بين المقاومين وجنود الاحتلال دوّى صداها في أرجاء المخيم، وبعد مرور نصف ساعة، تم السماح لطواقم الإسعاف بالوصول لـ "عامر" حيث سقط وظل ينزف على الأرض إلى أن شارف على لفظ أنفاسه الأخيرة.

وفي المستشفى، حاول الأطباء في المستشفى إنعاش قلبه، وإعادة الحياة لروحه، لكن؛ وعندما وصلت عائلته كان قد لفظ آخر نفسٍ له في هذه الدنيا، ملتحقا بركب أصدقائه الشهداء.

خبر صادم..

رحل الفتى "عامر" الذي كان يهمس لأصدقائه بأمنيته بالشهادة والالتحاق بأصدقائه، إلا أنه كان يخفي ذلك عن عائلته التي فجعت بالخبر.

وبكلمات مثقلة بالدموع، تصفه والدته "عامر فش زيه، كان يخدم الجميع ولا يتأخر، كان ملتزما بالصلاة وكان يشتغل رغم عمره الصغير".

وتضيف: "في الفترة الأخيرة كان عامر متأثرا برفاقه من شهداء المخيم، وآخرهم مهدي حشاش "شيمون"، ومن قبله الشهداء بكير حشاش، ووسيم خليفة، ونادر ريان، لكن أكثرهم قربا من قلبه كان الشهيد عماد حشاش (..) كان يزور قبورهم ويقضي الساعات بجوارهم، وعندما كنت أفقده أتصل على هاتفه، فيخبرني في زيارة لأصدقائه الذين تركوه ورحلوا".

عامر زيتون في اليسار مع صديقه الشهيد مهدي حشاش.jpg
 

تصمت قليلًا، وتتجه بنظرها لغرفة ابنها الراحل، وكأنها تراه خارجًا منه يمازحها أو يلقي السلام عليها، قبل أن تكسر صمتها وتحكي لنا: "عامر حزن كثيرا على أصدقائه الشهداء، وكلما استشهد أحدهم كان يأتي بصورته ويعلقها على خزانته، لكن لم نتخيل يوما أن يأتينا خبر استشهاده هو أيضًا".

"عامر" في عيون والده: فقدت جزءا مني

وينتمي الشهيد عامر لعائلة مناضلة عانت من سجون الاحتلال، فقبل أسبوعين اعتقل الاحتلال شقيقه الأكبر محمود (23 عاما) على حاجز حوارة جنوب نابلس، وسبق أن اعتقل محمود وشقيقه أحمد وأفرج عنهما أواسط العام الماضي.

لم يكن "عامر" كباقي أخوته، كما يحدثنا والده "أبو محمود"، مردفًا: "رغم أن عامر رابع أبنائي الستة، إلا أنني كنت أعتمد عليه في كل صغيرة وكبيرة، وعندما استشهد شعرت وكأني خسرت جزءًا من جسدي".

ويستذكر "أبو محمود" اللحظات الصعبة التي عاشها في تلك الليلة، فقد خلد للنوم مبكرا قبل مجيء "عامر" ليستعد للعمل في صباح اليوم التالي، لكنّ صوت زوجته المترجف خوفًا على نجلهما أيقظه قائلًا: "أخبرتني بما يتم تداوله من أنباء عن إصابة عامر، وبعد انسحاب الاحتلال توجهنا مسرعين للمستشفى، ليخبرنا الأطباء بالنبأ الأصعب".

عامر زيتون يودع صديقه الشهيد عماد حشاش عام 2021.jpg

324595948_3401600200097361_8149914733215178631_n.jpg
 

ويمضي الوالد في استذكار خصال ابنه الذي امتاز منذ صغره بالحس الوطني العالي: "كان منذ نعومة أظفاره ثائرا يحب وطنه، وكثيرا ما كان يحدثنا عن الشهداء، عدا عما كان كان يتمتع به من جرأة غير اعتيادية لمن هم في سِنّه".

وعن بعض مشاهد جرأته ينقل والد "عامر" عن أصدقائه، أنه كان يرمي نفسه على جيبات الاحتلال خلال اقتحاماتها السابقة للمخيم، ويضيف: "كان يقفز فوق تلك الجيبات أثناء سيرها ويضربها بقدمه أو بما يتيسر له من حجارة أو أي أداة بيده".

وإلى جانب ذلك، كان يتمتع بذكاء كبير، وشخصية مرحة، يحب خدمة الجميع، وهو ما أكسبه محبة كل من عرفه، ليترك رحيله ألما في قلب والده وأفراد عائلته وكل من عرفه، وعن ذلك يحكي والده: "سنحتاج لوقت طويل لتقبّل حقيقة فراقه لنا".

وبصوت خافت يختم حديثه: "يعز عليّ فراقه، لكن كل الشهداء أبناؤنا، وهو ليس أول شهيد ولا آخر شهيد، وفلسطين ولاّده.. ذهب عامر وسيأتي ألف عامر".