الساعة 00:00 م
الخميس 09 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.64 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.99 يورو
3.71 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بعد إنجاز 50% منه.. لماذا فكّك البنتاغون الأمريكي ميناء غزة العائم؟

بالفيديو سجن الفارعة.. من مقر للتعذيب والقهر لتأهيل القيادات الشابة

حجم الخط
324126504_1375918476558767_5919738316426054728_n.jpg
نابلس - نواف العامر - وكالة سند للأنباء

ليس سهلًا أن تعود لمكان عانيت فيه الألم، وشاهدت في زواياه الموت مرات عديدة، فكان سجنك ومقبرة للأحياء، وشاهدًا على صرخات الأسرى تحت وقع التعذيب والإهانة، لكنه وبعد عقود طويلة أصبح مركزًا لتأهيل وتخريج القيادات الشابة.

إلى الجنوب من طوباس، شمال الضفة الغربية، وعلى بعد 17 كيلومترًا من مدينة نابلس، يقع سجن الفارعة؛ الشاهد على اعتقال أكثر من 300 ألف فلسطيني، قبل أن يتم إخلاؤه مع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1995.

بني السجن إبان الانتداب البريطاني في وادي الفارعة، وكان مركزًا للشرطة البريطانية في مناطق الشمال، وبعد انتهاء الانتداب، تعاقبت على سجن الفارعة العديد من الحقب.

ففي عام 1948 استخدمه الجيش العراقي الذي قدم مع جيش الإنقاذ العربي مقرًا له لعدة أشهر، ومنذ عام 1949 وحتى 1967 استخدم سجن الفارعة مركزًا للشرطة الأردنية.

بقي سجن الفارعة مهجورًا بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 حتى عام 1983، عندما بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستخدمه مركزًا للاعتقال والتحقيق.

ومع قدوم السلطة الفلسطينية، أخلت سلطات الاحتلال سجن الفارعة في 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 1995، لتبدأ عملية ترميمه الأولي عام 1997 بتمويل من مؤسسة "بكدار"، ولاحقًا تم بناء ملعب كرة القدم بتمويل إسباني.

أقيم السجن على مساحة تصل لـ 55 دونمًا، وهو الآن عبارة عن مركز شبابي ورياضي تقام فيه أنشطة رياضية وثقافية على مدار العام، وفق مديره رائد جعايصة، الذي عاش تجربة الأسر في المبنى نفسه.

داخل مبنى "سجن الفارعة" أو المركز الشبابي حاليًا، التقت "وكالة سند للأنباء" بـ "جعايصة" وأسرى محررين ممن عايشوا الاعتقال والتحقيق فيه.

يسارع "جعايصة" الخطى نحو ساحة "الشبح" العتيقة، يضع يده على زاوية جدار حجري ويقول: "هنا تم دق رأسي بهذا الجدار، وكأن الأوجاع عادت لي للتو".

يمضي بالحديث خلال سيرنا في ساحة السجن: "بينما كانت أهداف الاحتلال باعتماد السجن مقبرة للأحياء ومركزًا للظلم والقهر والعذاب والإسقاط، وتحييد ما يمكنهم من الأجيال، جاءت فكرة المجلس الأعلى للشباب والرياضة بتحويل المكان لمركز صلاح خلف لتأهيل القادة الشباب".

ويتابع: "شهد السجن اعتقال حوالي 300 ألف فلسطيني، ومنهم رموز وطنية ومحلية كالمتوكل طه، سامي الكيلاني، نايف السويطات، الشهيد جمال منصور، النائب أحمد الحج علي، الراحل عبد الستار قاسم، حمدان سعيفان وآخرون".

واستطرد "جعايصة": "لكنه بات الآن مركزًا عمليًا لإعداد القادة الشباب، واحتضان فئات شعبية ورياضية إلى جانب التعبئة الثقافية الفردية والجمعية، ونستعد للمزيد".

ويستعرض ضيفنا، العديد من أنشطة المركز، موضحًا: "نشارك في المباريات المحلية والدولية، ونعمل على إعداد البنى التحتية للملاعب، وبناء الصالة المغلقة بالمركز، إضافة لمخططات سترى النور قريبًا كالكافتيريا، وملاعب معشبة، ومسبح نصف أولمبي، ومسارح".

ويشرح جعايصة المعيقات أمام تطوير المركز، والتي تتمثل باقتحامات الاحتلال المتكررة له، إضافة لتداعيات الفوضى والفلتان والبعد الجغرافي للمركز عن صنع القرار، وفق قوله.

ويطالب مدير المركز بالمزيد من الاهتمام الرسمي. مشيرًا إلى أن 4 عطاءات لترميم المركز تمت منذ عام 2022؛ منها الأسوار والحدائق والملاعب، لكنها لم تر النور حتى الآن.

ذكريات مؤلمة..

في ساحة "الشبح" التي تطل عليها أشجار السرو العالية، ويلوح من خلفها العلم الفلسطيني، يستذكر الأسير المحرر باسل منصور أقسام السجن، أو كما كان يعرف بـ "المسلخ" لشدة التعذيب الذي كان يلاقيه الأسرى داخله.

يجلس "منصور" على كرسي كان يستخدم للشبح، ويقول لمراسلنا: "كنا نقضي الأيام والليالي والأيدي والأرجل مقيدة بقسوة، والعيون معصوبة، بينما يتلذذ الجنود والمجندات بسلوك قذر أقله التبول علينا".

ويتابع: "مع دخول الانتفاضة الأولى واشتدادها، شنّ الاحتلال حملات اعتقال واسعة واحترازية في صفوف الفلسطينيين، ما جعله يفتتح أقسامًا جديدة في الساحات الخارجية تتسع لـ 25 أسيرًا ويحشر في جنباتها 40 منهم ويزيد".

وأمضى منصور 18 يومًا "احترازية" في ساحات الشبح عام 1985 وكان يومها في الـ 20 من عمره، ونال "وجبات" من التعذيب والإذلال.

ويسرد: "كرسي التعذيب الأسمنتي للأسير الواحد بات وسيلة تعذيب لأربعة يتكئون على ظهور بعضهم البعض".

يتفقد "منصور" غرفة صغيرة للغاية كانت مقرًا للمحقق المشهور آنذاك "أبو علي ميخا" صاحب اليد الكبيرة التي كانت تهوي على الأسرى، فيفقد بعضهم السمع من شدة الضربة وغلظة كفه، ويردد: "ذهب ميخا وأبو جبل والباشا والاحتلال، وطموحنا بالحرية والاستقلال والعودة".

اقتحام سجن الفارعة..

وتعود زيارة السجن بالناشط بالمقاومة الشعبية خالد منصور، لعقود ماضية، كانت بدايتها اقتحامه للسجن بينما كان يحرسه أربعة جنود، حيث تمكن برفقة شبان آخرين من رفع العلم الفلسطيني على السجن وسط الهتافات التي كان مصدرها مظاهرة في مخيم الفارعة المحاذي للسجن، ويقول: "تم اعتقالنا ليلاً ولقينا الأهوال".

يسترجع صور معاناة لا ينساها، ويقول لـ "وكالة سند للأنباء": "لا أنسى صرخات الأسرى تحت التعذيب والأوجاع في منتصف الليل، ما كان يجعلنا مع عشرات الشبان لنقض مضاجع الاحتلال بالحجارة والإطارات المشتعلة وهتافات الغضب والشتم في محيط السجن".

وشكّل أهالي وادي ومخيم الفارعة، حاضنة شعبية للأسرى المحررين من السجن، وعن ذلك يحدثنا الناشط منصور: "تمترس أهالي الفارعة لحماية المحررين في ساعات الليل، باستقبالهم في بيوتهم، حتى صبيحة اليوم التالي وأحيانًا بإيصالهم لبيوتهم البعيدة لمن يصر على المغادرة".

ويردف: "وهي مهمة وطنية حقيقية بينما هدف المحتل تحطيم معنويات وإرادة الأسرى، الذين بات الكثير منهم قادة عظماء".

وفي سياق حضور المركز ودعمه للإناث، تقول مديرة المسبح والناشطة الشبابية هالة مرجان، إن المهمة تقع على عاتق المركز بفتح الآفاق أمام العنصر النسوي؛ لينال حقه من الرياضات النسوية وتلقي الدعم لذلك.

وتضيف مرجان لـ "وكالة سند للأنباء": "يدعم المركز ويهتم بالمرأة لتأخذ دورها الريادي المجتمعي وتأهيلها لتمكينها وتطوير حضورها، ورسالتنا أثناء ذلك تحفيز فعلي وعملي وتنفيذي".