الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

خاص انفوجرافيك هدم منازل منفذي العمليات.. انتقام جماعي ومحاولات أثبتت فشلها بالردع

حجم الخط
هدم المنازل في الضفة
غزة/ رام الله - وكالة سند للأنباء

عاشت مدينة نابلس شمال الضفة الغربية الليلة الماضية، ساعات عصيبة تزامنًا مع اقتحام مئات جنود الاحتلال برفقة آليات عسكرية وجرافات؛ لتفجير منزل عائلة الأسير أسامة الطويل، أحد منفذي عملية إطلاق نار قتل خلالها جندي إسرائيلي في دير شرف غرب المدينة بتشرين أول/ أكتوبر 2022.

وانتشرت قوات الاحتلال في مختلف أحياء المدينة، وسط اندلاع مواجهات عنيفة واشتباكات مسلحة، انتهت باستشهاد الشاب خليل الأنيس (20 عامًا)، وإصابة العشرات، وتفجير منزل عائلة "الطويل"، الواقع في شارع المريج غرب المدينة.

ومع ساعات الفجر الأولى، دوّت أصوات الانفجارات في سماء مدينة نابلس، لتتطاير معها ذكريات العائلة في بيتها الذي يفتقد ثلاثة من أبنائه أسرى في سجون الاحتلال.

ورغم ما ألمّ بالعائلة وخسارتها لمنزلها، إلا ان والدة الأسير الطويل عبّرت عن صمودها بالقول، "إنّ الاحتلال الإسرائيلي لم يستطع هزيمة الشعب الفلسطيني، لذلك يلجأ إلى سياسة هدم البيوت".

وفي حديثها لوسائل الإعلام عقب تفجير منزلها، أضافت أنّ نجلها "أسامة" انتصر على الاحتلال الذي لم يقدر على هزيمته ولا هزيمة أهله من خلفه، ولا هزيمة الشعب الفلسطيني عمومًا.

وبعزيمة الأم الفلسطينية الصابرة، رددت: "لقد هدموا حجرًا، لكنهم لن يستطيعوا هدم إرادتنا وعزيمتنا"، داعية نجلها الأسير أسامة إلى توزيع الحلويات؛ لأنه هو الذي انتصر على الاحتلال، وليس العكس.

ومنزل عائلة الطويل، هو المنزل الثامن عشر الذي يهدم في محافظة نابلس منذ بداية العام، وهو المنزل الأول الذي يُهدم في المدينة لأحد منفذي العمليات الفدائية ضد الاحتلال وجرائمه المتواصلة.

354570155_933662201248871_2494838939261303395_n.png
 

354533263_268080535799683_2233415670876754901_n.jpg

هدم10.jpg
 

وبهدم منزل عائلة الطويل، يصل عدد المنازل التي هدمها أو فجّرها الاحتلال لعوائل شهداء وأسرى من منفذي العمليات الفدائية بالضفة لأحد عشر بيتًا منذ بداية العام، في حين بلغ عدد المنازل التي هدمها الاحتلال في الضفة الغربية بما فيها القدس لـ 140 منزلًا، بحسب تقارير إعلامية.

في قرية حجة شرق قلقيلية، عاشت عائلة الأسير يونس هيلان (19 عامًا) مطلع شهر مايو/ أيار المنصرم، لحظات مشابهة لما عاشته عائلة الطويل الليلة الماضية، عندما أقدمت قوات الاحتلال على هدم المنزل.

لكن، في الوقت الذي انتهى فيه جيش الاحتلال من هدم المنزل، كانت عائلته تتجهز لحضور صب أرضية بيتها الجديد في موقع آخر، في موقف يدلل على صمود الفلسطيني وثباته في أرضه، وتحديًا لسياسات الاحتلال الجائرة بحق الفلسطينيين عمومًا، وعوائل الشهداء والأسرى المقاومين على وجه الخصوص.

ويروي جلال هيلان والد الأسير يونس لـ "وكالة سند للأنباء"، حكاية نجله الذي تفوّق في الثانوية العامة العام الماضي، ثم التحق بكلية الهندسة الميكانيكية في جامعة النجاح الوطنية.

يقول "هيلان" (51 عامًا) إنه في 25 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، اقتحم جيش الاحتلال منزل العائلة ليعتقل يونس، وينقله إلى التحقيق في سجن الجلمة، بتهمة تنفيذه عملية طعن مستوطن، أُعلن فيما بعد مقتله.

ويضيف أن الاحتلال استدعاه للتحقيق في معسكر سالم العسكري في جنين، ثم اقتحموا المنزل وأخذوا قياساته، وأبلغوه بقرار القائد العسكري في المنطقة القاضي بهدم البيت.

قدّم "هيلان" اعتراضًا لدى جيش الاحتلال، ثم التماسًا لدى محكمة الاحتلال العليا، في محاولة للخروج بأقل الأضرار، حيث أن منزله مكوّن من طابقين، إلا أن الرفض كان سيد الموقف.

هدم2.jpg
 

"فزعة الفلسطيني"

وفي فجر الثالث من مايو المنصرم، استيقظ "هيلان" على اتصال من أحد جيرانه، يُخبره أن الاحتلال يتجهز لهدم المنزل، وهنا بدأت رحلتان متزامنتان للعائلة، إحداهما سعيدة والأخرى حزينة.

أمّا الأولى، فمجرد تبليغ العائلة بالهدم، تسارع الأهالي في القرية إلى مساندتهم والوقوف إلى جانبهم، بل وعرضوا عليهم بناء منزلٍ جديد.

وكان الرجل الخمسيني قد اشترى قطعة أرض قريبة من منزله القديم، وجهّز مخططًا هندسيًا للبناء، وبدأت الفزعة الفلسطينية في تلبية نداء الواجب الوطني، في دعم وإسناد عائلة هيلان.

ويضيف: "لم أجد في حياتي مثيلاً لحالة التعاطف والتضامن والدعم، فقد هبّ الأهالي بكبيرهم وصغيرهم ورجالهم ونسائهم إلى مساندتنا، فمنهم من تبرّع بالحديد، وثانٍ بالباطون، وثالثٍ بالبلاط، ورابعٍ بالحجارة، وغيرهم الكثير".

بناء جديد.jpg
 

يتابع حديثه بلهجة فلسطينية بسيطة: "راح نعمّرها ونبني دار أحلى من القديمة، وهذه الوقفة من أهلي، بتخلينا نظل صامدين وثابتين في أرضنا، ولن تردعنا سياسة الهدم، لأنه الفلسطيني عنده قناعات مستحيل يغيرها".

ويشدد والد الأسير أن التجارب السابقة التي تم هدم منازلها، أثبت فشل هذه السياسة الجائرة، مؤكدًا أنها تزيد قوة وإصرار وثبات ونقمة على المحتل، خصوصًا أنه تسبب في تشريد العائلات.

ذكريات وآلام..

لكن، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هدم بيت العمر ثقيلٌ على النفس، أن ترى هدم منزلك الذي بنيته خلال 26 عامًا بتعبٍ وشقاء، وبه ذكريات لسبعة أفراد من عائلته الذي لم يتجاوز عمر أصغرهم أسبوعًا حين تم ترحيلهم من المنزل، تبعًا لـ "هيلان".

عائلة أخرى، ممن قدموا شهداء وأسرى على طريق الحرية، تروي ختام جرار زوجة الشهيد نصر ووالدة الشهيد أحمد، من جنين، ألمها برحيل ذكرياتها المنقوشة على حجارة منزلها: "أكثر ما آلمني في هدم البيت، أنه راحت كل ذكريات زوجي وابني".

وتُردف "جرار" لـ "وكالة سند للأنباء"، أنها لا تملك من ذكريات زوجها ونجله، سوى ملابس "أحمد" التي كان يرتديها لحظة استشهاده، في اشتباك مسلح مع الاحتلال في السادس من فبراير/ شباط 2018، في بلدة اليامون بعد مطاردة استمرت شهرًا كاملاً.

وتعرّض منزل عائلة لجرار للهدم مرتين، الأولى عام 2002 حين قصفت طائرات الاحتلال منزلهم في مدينة جنين، والثانية عام 2018 عقب تنفيذ نجلها "أحمد" عملية إطلاق نار أدت لمقتل الحاخام "أزرائيل شيفح" قرب نابلس.

وتوضح أنها في الهدم الأول، بحثت تحت الركام عن شيء من ذكريات زوجها الذي استشهد بعد معركة مع الاحتلال في 14 أغسطس/ آب 2002، مضيفةً: "وجدت ثوب أبو صهيب، غسلته واحتفظت به، كي أُهديه للأولاد حين يكبرون وأخبرهم أنها من رائحة والدهم".

لكن هذه الذكرى لم تدم طويلاً، ففي الهدم الثاني، لم يمهل الاحتلال العائلة فرصة، بل اقتحم المنزل وأجبرهم على الإخلاء الفوري، ثم فجّره بالكامل دون إعطاءهم فرصة لإخراج مقتنياتهم.

وتضيف الأم المكلومة على زوجها ونجلها: "كل بيوت الدنيا، ما بتسوى ظفر ابني أو زوجي".

وعن حالة التضامن والدعم الشعبي الذي لاقته العائلة، تُحدثنا أن "محبة الناس لهم لا توصف (..) أمشي في شوارع البلدة، أرى المحبة في عيون الجيران، يسألون باستمرار ناقصكِ شي يا ميمة؟ (..) هذه السند يكفيني".

وتؤكد ضيفتنا أنه بالرغم من صعوبة الوضع المادي للمواطنين، إلا أن وقفتهم وإسنادهم يعطي عوائل الشهداء دفعات معنوية، تعزز صمودهم وثباتهم في وجه هذا المحتل.

سياسة فاشلة..

بدأت سياسة العقاب الجماعي التي انتهجها الاحتلال للانتقام من عوائل منفذي العمليات الفدائية، إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حين أقدم على هدم منزل عائلة الشهيد محمود المبحوح، بتهمة مسؤوليته عن أسر الجنديين "آفي سبورتس" و "إيلان سعدون".

وخلال الانتفاضة الأقصى التي اندلعت في أيلول/ سبتمبر عام 2000، هدمت الاحتلال أكثر من 600 منزل لمنفذي عمليات فدائية، إلا أن الجيش الإسرائيلي أوقف هذه السياسة عام 2004 بسبب عدم جدواها.

هدم منزل.png
 

وفي عام 2014، استأنف جيش الاحتلال سياسية هدم منازل منفذي العمليات رداً على مقتل ثلاثة مستوطنين بعد خطفهم قرب مدينة الخليل، وبلغ عدد المنازل المهدومة لمنفذي العمليات منذ ذلك الحين وحتى يونيو/ حزيران 2022، أكثر من 260 منزلاً، وفق تقارير فلسطينية.

وفي فبراير/ شباط الماضي، أكد تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن سياسة هدم منازل منفذي العمليات الفلسطينيين، فشلت في تحقيق هدفها الأساسي، وهو تشكيل رادع لفلسطينيين آخرين يمنعهم عن تنفيذ عمليات.

وتعتبر هذه القرارات مخالفة لنصوص القانون الدولي، فهي انتهاك للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيًا".

وتشكل أيضًا مخالفة جسيمة لنص المادة 53 من الاتفاقية التي تحرّم تدمير الممتلكات الثابتة أو المنقولة، وانتهاكاً لنص المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948، والتي تنص على أنه "لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسّفاً".