الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

الحج بين الماضي والحاضر.. بحرٌ من الاختلافات وذكريات لا تُنسى

حجم الخط
الحج بين الماضي والحاضر
رام الله – فرح البرغوثي – وكالة سند للأنباء

يُعدّ موسم الحجّ واحدًا من أكبرِ التجمّعات البشرية في العالم، حيثُ ينطلقُ المسلمون من جميع البُلدان لأداءِ الفريضةِ الدينية في المملكة العربية السعودية، وعلى مرّ العصور، شهدت هذه الرحلة تطورًا في طُرق ذهاب وإياب الحُجّاج، خاصةً الفلسطينيين الذين يقطعون مسافاتٍ تُقدّر بحوالي 1,550 كيلومترًا إلى 1,850 كيلومترًا تقريبًا، برًا نحو مكة المكرمة.

حتى عقودٍ قليلة مَضت، كانت رحلة الحج عبر البر أو البحر شاقّة، ومحفوفةً في المخاطر؛ تستغرقُ عدّة أشهر، عبرَ وسائل نقل محدودة مثل الجمال والخيول والبغال والحمير، يقطعُ فيها الحُجاّجُ مسافاتٍ شاسعة في الصحراء القاحلة.

وكان ضيوف الرحمن يتعرّضون لمخاطرِ النهب والقتل على يدّ قُطاع الطُرق، أو الموتِ جوعًا أو عطشًا.

كما كان الحُجّاج ينامون في خيامٍ، أو يَبيتون تحت السماء، ويعتمدون على الشمسِ والنجوم لتوجيههم في الطريق والتحكّم في الاتجاه، لكنّ ذلك اختلفَ كليًا في الوقت الحاضر، خاصةً مع توفرِ وسائل النقل الحديثة وتطور أنظمة السفر المعمول بها بمختلف البلدان بما فيها السعودية.

"تجربةٌ شاقّة لكنها ممتعة"..

الحاج محمود صلاح الدين (76 عامًا)، من بلدة حزما شمال شرقي القدس، عايَش هذه التجربة ثلاث مرات، منذ عام 1986، عندما كان شابًا في مُقتَبل عمره، حتى عام 2010.

يقول "صلاح الدين" لـ "وكالة سند للأنباء" إنّ "رحلته الأولى إلى الحجّ استغرقت نحو 30 يومًا برًا، في أوضاعٍ شاقّة جدًا، حيثُ الأجواء الحارة، والباصات الخالية من التكييف، إضافةً للعطش الشديد وعدم توفّر الماء البارد، وتَسَبّب المرض والزُكام".

ويضيف أنّ: "طريق الرحلة كانت عبر مسلكٍ واحد ضيق مُخصّص للقادمين والعائدين من وإلى السعودية، ما يؤدي للسير عبر طُرق وَعِرة، لا يوجد فيها سوى استراحة واحدة، أما النوم، فقد افترشنا الرمال وسط الصحراء".

ورغم مشقّة الطريق وصعوبتها، إلا أنّ اللحظات الأولى من الوصول إلى الدِيار المُقدّسة، تَمحو كلّ ذلك، ويُحدثنا بنبرةٍ مليئة بالسعادة: "بمجرد الوصول إلى المدينة المنورة نسينا كلّ هذا التعب والعطش والمشقّة، وبدأنا بالبكاء من عظمة الموقف".

لكنّ الفروق بين الرحلات حديثًا وقديمًا والتي تخللها من صعوبات، حتى في أداء المناسك سواء كانت الوقوف بمشعر عرفات أو التواجد في منى، ورمي الجمرات ومختلف المناسك الأخرى، لاحظها ضيفنا في رحلتين سافر فيهما إلى السعودية عام 1999، و2010.

ويحدثنا أن مبيتهم قديمًا خلال هذه الأيام كان وسط الرمال، قُرب الباصات التي تقل الحجاج، لكنّ ذلك اختلف تمامًا الآن حيثُ توفّر التكييف، والاستراحات، والماء البارد، وتوسعة الطُرق، والتسهيلات المُقدمة للحجّاج.

"طقوسٌ كأنها ليلة العيد"..

قديمًا، كان للشعب الفلسطيني طقوسه المُميّزة قبيل انطلاق الحجّاج في رحلتهم الطويلة، وأثناء عودتهم إلى أحضان بلادهم وعائلاتهم، لكنّ ذلك اختفى مع مرور السنوات، وفق ما أخبرنا به الثمانيني عبد المعطي البرغوثي، الذي عاصر العديد من مواسم الحجّ منذ الأربعينات حتى يومنا هذا.

يقول "البرغوثي" إنه "بدأ يَعِي مواسم الحجّ عندما كان في السادسة من عمره، أيّ عام 1943، حيثُ كانت الطقوس وكأنها ليلة العيد، يجتمعُ أهالي القرية صغارًا وكبار قبل يومٍ واحد من انطلاق قافلة الحجّ، يُنظمون سهرةً لوداع الحاجّ، ويُقدّمون له النُقوط (مبلغ من المال)، ويُردّدون التهليلات والتكبيرات".

وصباح يوم السفر، يسيرُ جميع أهالي القرية برفقةِ المسافر ما يُقارب الكيلومتر خارج القرية مشيًا على الأقدام – تبعًا لضيفنا_، وصولًا إلى نقطة الانطلاق، ففي الخمسينات والستينات، كان الحجّاج ينطلقون عبر الشاحنات، ثم بدأوا ينطلقون برفقة شركاتٍ للسفر، عبر باصات تَقِلهم إلى الأردن، وصولًا إلى السعودية.

ويلفتُ "البرغوثي" في حديثه مع "وكالة سند للأنباء" إلى أنّ رحلة الحجّ كانت تستغرقُ 60 يومًا ذهابًا وإيابًا؛ بسبب صعوبة الطريق ووعورتها، كما أن طُرق التواصل بين الحُجّاج وعائلاتهم، كانت تتمّ عبر الرسائل والمكاتيب ما يعني وصلوها متأخرة أو قد لا تصل.

غير أنّ تطورات الزمن سنة بعد أخرى، قلصت مدة السفر إلى ساعات، وأصبح التواصل مع الأهالي بوسائل وتقنيات مباشرة وحديثة.

وبنبرةٍ من الألم، يروي: "عام 1972، توفيّ عمي في طريق عودته من الحجّ، على الحدود الأردنية السعودية، بسبب مشقّة الرحلة، وقد وصلت جنازته إلى الوطن، برفقة الهدايا التي أحضرها لكافة الأهالي، وسط الدموع، والحُزن والصدمة".

وعند سؤاله عن طقوس الاستقبال، يُجيب: "كان الأهالي يُزيّنون القرية، ويُحضّرون الشاي والقهوة والحلويات، لاستقبال الحُجّاج في ساحةٍ كبيرة وسط القرية، أما الحجّاج، فيوزعون ماء زمزم، والهدايا من تمرٍ وملابس على كافة المتواجدين".

أهازيجٌ وسط الدموع..

تجلسُ بجانبه ابنته "نادية"، وتسترجعُ بذاكرتها بعض الأهازيج التي كانت تُردّدها النساء، عند وداع الحاجّة في منزلها، بغناءٍ حزين، وبُكاء، خوفًا من مشقّة الرحلة وشوقًا للكعبة، مصحوبًا بوصايا الدعاء والسلام على رسول الله، وتقديم النُقوط.

وتُردّد: "من هيبتك يا نبي فاض الحمام في الغار.. قشّش وريّش وسوا له جناح وطار.. يا زايرين النبي صلوا عليه صلوا.. مكة شريفة وميتها حليب صافي.. بيعي جاجاتك يا حجّة وقومي ارحلي.. بيعي جاجاتك يا حجّة وقومي ارحلي".

وتشيرُ إلى أنّ مراسم استقبال الحاجّة كانت تتمّ في منزلها، وأنّها كانت تُقدّم الهدايا لجميع أهالي القرية؛ كماء زمزم، وطاسة الرجّفة (وعاءٌ مكتوبٌ بداخله آية الكرسي وسور قرآنية يشرب منها من يُصاب بالرجّفة)، إضافةً إلى المسابح، والمناشف، والمناديل، والأساور النحاسية للأطفال.