قطعٌ خشبية تصطف كأنها لؤلؤ معقودٌ فيه الجمال، تبعث في قلب كل من رآها حنيناً وحباً للماضي، لرائحة الذكريات الجميلة، وبساطة الحياة وألوان الطبيعة الخلابة، لتأسره في داخل تفاصيلها الأنيقة.
في "الكوخ" ينهمك الشاب العشريني مهند أحمد، من مدينة غزة على قطعة خشبية هي في عين الكثيرين ليست صالحة للاستخدام، وفي عينيه قمة المراد، هي فرصة جديدة لروحه من أجل أن يرى بها نفسه، ليسكب لمساته الفنية، ويحيلها إلى لوحةٍ في غاية الجمال والألق.
استغلالٌ للعمر
انتهت رحلة أحمد للمرحلة الجامعية، ليتخرج بعدها من تخصص الإدارة الصحية، لكنه لم يجد له طريقاً بين صفوف العاملين، كغيره من الآلاف الذين يصطفون في طوابير البطالة، لكن الفرق كانَ واضحاً حينما قرر ألا يُهدر سنوات عمره في الانتظار كغيره.
ولأنه كان محباً قبل ذلك لتحويل مخلفات الأشجار وبواقيها إلى شيء جميل صالح للاحتفاظ به واستخدامه، قرر أن يجمع نفسه ويُشغل نفسه في تطوير موهبته بهذا المجال، لينهمك في تزويد ذاته علماً ومعرفة واحترافاً، من خلال شبكات الانترنت.
بعد مدة من الوقت، قرر أحمد أن يستغل تلك الموهبة في افتتاح مشروع خاص يحتوي أفكاره ولمساته، ويسلك الطريق الذي أحبها دائماً، لينتشل معها نفسه من شبح البطالة، وينشأ مشروعاً خاصاً به سماه بالـ "كوخ"، كما يقول لـ "وكالة سند للأنباء".
بدأ مهند مشروع "كوخ" في ظل إمكانيات بسيطة، غالبَ فيها الحياة والأوضاع الاقتصادية، لكن طموحه وأمله ورغبته المستمرة في التطوير، مكنته من الاستمرار في هذه المشروع.
ويرتكز مشروع "كوخ" على إعادة التدوير لمخلفات الأشجار وتحويلها إلى منتجات ذات نفع على المجتمع، بحيث تتحول من مخلفات إلى أشياء صالحة للاستخدام.
ويصنع أحمد من أغصان الأشجار وجذوعها تحفاً وهدايا ومشغولات تستخدم في الديكور والأثاث المنزلي، بالإضافة إلى المرايا المنزلية وغيرها.
شعورٌ بالسعادة والراحة تعتري قلب أحمد حينما يُقبل على إنتاج قطعة ما، يُعاملها وكأنها قطعة ُمن روحه، يطوعها بكل حرفية لأجل أن يصنع منها الفكرة التي تريد.
عالمٌ مليء بالطبيعة
من يتنقل في صفحة "كوخ" على موقعي "الفيس بوك" و "انستجرام"، والذي يسوّق من خلالها أحمد منتجاته، يشعر وكأنه في عالمٍ مليئة بالطبيعة ورائحة الأشجار، وأينما وليتَ نظرك ستتملكك الدهشة والإعجاب لجمال تلك المشغولات.
ويبين أحمد لــ "وكالة سند للأنباء" أن هناك إقبالٌ مميز من الناس على تلك المنتوجات الطبيعية التي تصنعها يدي أحمد، كونها تصحبهم إلى عالم الطبيعة التي تُسعدهم.
هناك الكثيرون من الأشخاص الذين يرغبون في اقتناء القطع الخشبية رغبة منهم في كسر الروتين للمنتوجات العصرية المتواجدة في الأسواق.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة قد تعيق رغبة الزبائن في اقتناء هذه القطع الجميلة، إلا أن مهند يحاول أن يبيعها بثمن يناسب الجميع، أملاً في استمرار عمله وفي التخفيف عن الناس.
ويعد أحمد نموذجاً واحداً من آلاف الشباب الذين يجابهون سوء الأوضاع في قطاع غزة بخلق فرصٍ عمل تضم عالم إبداعهم، يحاولون من خلالها الاتكاء على الحياة، وصنع شيئاً لذاتهم، بدلاً من هدر أعمارهم.