الساعة 00:00 م
الإثنين 06 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

بالفيديو والصور العاملان "هندومة" و"الكوني".. انهيار ردم حياتهما وفرحة عائلتيهما

حجم الخط
العاملان بالضفة
نابلس - وكالة سند للأنباء

صدمة وفاجعة غير متوقعة طرقت أبواب عائلتي "هندومة" و"الكوني" من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بعد أن وصل إليهما نبأ وفاة أبنائهما أحمد غسان هندومة (32 عامًا) وسعيد هاني الكوني (36 عامًا)، جراء انهيار ترابي خلال عملهما مع طواقم البلدية الاثنين الماضي.

"اطلع أنا بنزل مكانك.. زوجتك حامل"، هذا كان طلب العامل الراحل سعيد الكوني من زميله الذي كان يعمل على عمق سبعة أمتار، خشية عليه من أي مكروه يصيبه، لينزل هو مكانه، ويعمل إلى جانب زميله أحمد، وما هي دقائق حتى انهارت الأتربة عليهما ودُفنا أحياء.

لحظات حبست نابلس أنفاسها خلالها، وقفت المدينة على قدم واحدة وهي ترقب رجال الإنقاذ، وهم يسابقون الزمن لإنقاذ أحمد وسعيد، قبل أن يأتي الخبر المفجع بانتشالهما وقد فارقا الحياة.

حزن خيّم على المدينة، وكل من عرفهما بطيبتهما وحسن أخلاقهما وحبهما لزملائهما، لتودعهما نابلس بالدموع والدعوات.

وفاة عاملين.jpg

رحيل مبكر..

"رحل بلمح البصر".. بحرقة قالها غسان هندومة والد العامل الراحل أحمد الذي ترك خلفه زوجة وطفلًا صغيرًا، وطفلة لا تزال في أحشاء أمها، ستبصر النور بعد ثلاثة شهور، لكنها لن تنعم بحنان وعطف والدها.

ويضيف "هندومة" لـ "وكالة سند للأنباء": "التحق أحمد بعمله الحالي في البلدية منذ قرابة السنة والنصف، وكانوا يعتمدون عليه كثيرا بالعمل، كان يعمل في مواقع خطرة جدا، وذات مرة أنزلوه بعد ربطه بالحبال ليفتح مجرى في ظروف بالغة الخطورة".  

تخنقه العبرات وهو يروي لنا: "أحمد كان مسالمًا فهو مريض ويريد توفير ثمن الدواء البالغ 500 شيكل كل شهر، في حين أن راتبه 1800 شيكل".

وعما كان يواجهه أحمد من مخاطر في عمله، يقول الأب: "أحمد وزملاءه لم يكن بإمكانهم الاعتراض حتى لا يخسروا عملهم الذي هو مصدر رزقهم".

وبحرقة يتابع: "أنا مش زعلان إلا على الطريقة اللي ماتوا فيها.. لقد وضعوهم في حفرة ارتفاعها أكثر من 7 أمتار، وما اعترضوا لأنهم بدهم يعيشوا وبدهم يوفروا لقمة العيش".

شهامة وإيثار..

حكاية شهامة وإيثار سجّلها العامل الراحل سعيد الكوني، دون أن يعلم أنها ستكون آخر لحظاته في الدنيا، عندما قال لزميله: "زوجتك حامل.. أنا بنزل مكانك".

وبدموع الفقد وحسرته، تروي زوجته: "اتصل بي وهو يعمل، وسألني على الأطفال وقال لي ديري بالك عليهم، سألته إن كان قد أكل شيئًا، فرد  عليها: "لا حين أعود سأتناول وجبة الغداء معكِ والأولاد".

لكن سعيد لم يعد، وجرس الباب الذي كانت الزوجة تنتظره لاستقبال شريك عمرها، تبدل برنين هاتف مزعج يخبرها: "سعيد راح".

تمسح دموعها، وتحدثنا: "لدينا أربعة أطفال أكبرهم 13 عامًا وأصغرهم 3 سنوات، اتفقنا أنا وسعيد أن نعيش سويًا، ونربيهم ونعلّمهم ليكبروا ثم نفرح بهم (..) لكن اتفاقنا لم يكتمل، لقد تركني في منتصف الطريق وذهب، توقفت حياتي هنا".

وعن رحيله خلال عمله تتحدث: "ما جرى يستوجب المحاسبة، المهندس حذّرهم من وجود انهيارات، ومع ذلك أجبروهم على العمل".

نور العيون لعائلته..

لم يكن الكوني هو المعيل الوحيد لأسرته فقط، بل كان عينهم التي يرون بها الحياة، فهو الوحيد بين أشقائه الأربعة الذي يبصر، وقد ابتلوا بفقد نظرهم، قبل أن يفقدوا عينهم الثالثة "سعيد".

وبحسرة تروي والدته: "سعيد نور قلبي ونور عيني التي أرى بها الحياة بشوف فيها، فهو الوحيد المبصر بين إخوانه، وهو من يرعى شؤونهم ويُلبي كل طلباتهم واحتياجاتهم".

وكان "سعيد" يحرص كل يوم على زيارة والدته وإخوانه قبل ذهابه إلى العمل، يسأل عن احتياجاتهم ليقضيها لهم، ويعود بالمساء ليطمئن عليهم، كما تحكي والدته بنبرةٍ حزينة وقلبٍ مكلوم.

كانوا كالورد..

زملاء العمل فجعوا هم أيضًا برحيل أحمد وسعيد، اللذان عرفا بمحبتهما للجميع، وأخلاقهما الحميدة والطيبة.

العامل عبد الرحمن الجمّال، وهو أحد العمال الذين تواجدوا بالموقع لحظة وقوع الحادثة، كان متأثرا جدا وهو يستذكر اللحظات الأخيرة معهما: "بدأنا العمل بالموقع الساعة 11 ظهرا، وبعد أن مددوا المواسير همّوا بالخروج من الحفرة، لكن انهالت عليهم كتلة من التراب ودفنتهم تحتها".

ويكمل بمشاعر الألم: " كانت صدمة كبيرة لنا أن نفقد زملاء وإخوة أعزاء وهم عمال يعملون ليوفروا لقمة العيش لعيالهم، كانا متميزان بتعاملهما الحسن مع الجميع وبأخلاقهم العالية وكانا نشيطين بالعمل، لكن لا نقول إلا قدّر الله وما شاء فعل".

أما العامل عبد الغني سوالمة فيصف زميليه الراحلين: "كانوا وردة ببستان، وانتزعت من بيننا".

ويسرد: "كانا أكثر من إخوة، فقد جمعت بينهم عيش وملح، كنت أزور سعيد في بيته، وكان هو يأتي لزيارتي، ولو تغيب أحدنا عن العمل يوما فالجميع يتصل به ليسأل عن أحواله".

ويسهب: "كانا مخلصين في عملهم، ويحبّون الترفيه عنّا، والوقوف بجانبنا، بالرغم من الهموم التي تثقل كاهلهم".

وشيّعت مدينة نابلس أمس الثلاثاء جثمان العاملين، وسط إضراب عام يستمر 3 أيام، وحالة من الحزن خيمت على المدينة.

وشكّل القائم بأعمال محافظ نابلس غسان دغلس لجنة تحقيق يرأسها هو، للوقوف على ملابسات الحادثة.

وشهدت حوادث العمل ارتفاعا متزايدا هذا العام، إذ بلغ عدد شهداء لقمة العيش منذ بداية هذا العام 92 عاملا، وهو ما يوازي عدد العمال الذين قضوا طوال العام الماضي، وفق معطيات نشرها المكتب الإعلامي للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين.

ومن بين هؤلاء 19 عاملا توفوا بحوادث في سوق العمل الفلسطيني بالضفة الغربية، وواحد في قطاع غزة، و66 عاملا في سوق العمل بالداخل المحتل.