الساعة 00:00 م
الأحد 05 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

الشاب محمد رمانة.. بكى شوقًا للشهادة حتى نالها

حجم الخط
الشهيد محمد رمانة
رام الله - فرح البرغوثي - وكالة سند للأنباء

اتصال مفاجئ، قلب حياة عائلة "رمانة" من مخيم الأمعري جنوب مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، وحوّل سكينة مساء يوم الجمعة (29 أيلول/ سبتمبر 2023) لحزن عميق، بعد أن أُخبِروا بإصابة نجلهم "محمد"، بجراحٍ بليغة برصاص الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم ارتقائه، وزيادة على ذلك خطف جثمانه.

في مُقتبل العُمر، رَحلَ الشهيد محمد رمانة (18 عامًا) بعد إصابته برصاص الاحتلال الحيّ في البطن والصدر، عندما كان برفقة صديقه الذي أُصيب أيضًا بالبطن والقدم، قُرب مستوطنة "بساغوت"، المقامة على أراضي جبل الطويل شرقي مدينة البيرة.

الشاب الوسيم الهادئ كما يُعرفه أهل الحيّ، أشعلَ برحيلهِ نارًا في قلوبِ عائلته وكلّ من يُحبّه، لكنّ ما يُخفّف من لوعةِ الفُراق وألمه، أنّ روحه كانت مُعلّقةً بالشَهادة، وطلبَها كثيرًا حتى نالها.

"اتصالٌ مُفاجئ"..

كانت عقارب الساعة تُشير إلى الثامنة مساءً، والهدوء يعمّ في أرجاءِ منزل المواطن جبريل رمانة، حتى وَصلَ اتصالًا هاتفيًا قلب الحال "رأسًا على عقب".

يروي والده تفاصيل ما حدث لـ "وكالة سند للأنباء": "وردنا اتصال من أحد الشُبّان، أخبرنا أن جيش الاحتلال أطلق الرّصاص على نجلي وصديقه محمد ربيع، قُرب مستوطنة "بساغوت"، وأصابهما بجراح ما بين خطيرة وطفيفة".

ويتابع: "بقينا ننتظر على أحرّ من الجمر، ونتنقل بين وسائل الإعلام بحثًا عن أيّ خبر، ونُهيئ أنفسنا، حتى وصلنا نبأ استشهاد محمد، واعتقال جثمانه برفقة صديقه المُصاب".

"إعدامُ الأحلام"..

محمد، ذلك الشاب الذي احتفلَ قبل أيامٍ قليلةٍ بميلاده الثامن عشر، وهو الثالث بين إخوانه، ناجحٌ وحنون، ومحبوبٌ لدى كلّ من يعرفه، يتمتّعُ بالأخلاق وطيبة القلب، ويَهرعُ دومًا لمساعدة الآخرين، بحسب ما أخبرنا والده.

وعند سؤاله عن "يومه الأخير مع عائلته؟"، يُجيب والده المكلوم: "كان يومًا عاديًا، ذهب محمد للمسجد لأداء صلاة الجمعة، ثُمّ عاد ليأخذّ قسطًا من الراحة، وبعد ذلك، ذهب لتناول عصير الكوكتيل الذي يُفضّله، ولم يَعد حتى هذه اللحظة".

الشهيد محمد رمانة.jpg
 

ويعود في ذاكرته للمواقفِ الأخيرة التي عاشها مع نجله، يصمتُ قليلًا ثم يواصل حديثه: "أول أمس كان مُصمّمًا على ذهابي معه لتناول العشاء، وعندما رفضت ازداد إصراره.. وأمس، قبل مغادرته المنزل، أحضر طعامًا لقطته (..) كأنها شعر بدنو أجله".

أما عن أحلامه البسيطة كشاب للتو شق طريقه نحو الحياة الجامعية يُحدثنا والده بغصّة: "نجح ابني هذا العام بالثانوية العامة، وكان متفوّقًا ويرغب بمواصلة مسيرته الجامعية إما بالسفر إلى تركيا أو الالتحاق بكلية الطيرة؛ لكنّ رصاص الاحتلال أعدمَ أحلامه في مهدها وحوّلها لسراب".

"مُتيّمًا بهواه"..

ومنذ صِغرِ سنّه، كَبرَ "محمد" وترعرع بين أزقةِ مخيم الأمعري، التي جعلته مُتيّمًا بعشقِ الوطن وتُرابه والدفاع عنه بأيّ ثمنٍ كان، كما كان مُعتادًا على الذهاب إلى المواجهات، وجُلّ تفكيره بالالتحاق بقوافل الشهداء.

ويستطرد والده بنبرةِ الحُزن والفَخر معًا: "كان ابني يتمنى أن يرزقه الله بالشهادة، حتى يشفعَ لعائلته ويجمعنا الله به في جنّات النعيم، كان يُحبّ الوطن والدفاع عنه، ويؤمن بخيار المقاومة".

ويقصّ لنا: "رأيته أكثرَ من مرةٍ يبكي، وعندما سألته عن السبب، كان يُجيب أنه يتمنى أن يختاره الله ويُلحقه بالشهداء (..) كان يقضي وقته بمتابعة الأخبار، ويحزن على الشهداء والجرحى، ويدعي دائمًا للأسرى والأسيرات بالحريّة القريبة".

الشهيد محمدرمانة3.jpeg
 

"اختطاف الجثمان"..

ولم يكتفِ الاحتلال بإعدامِ محمد، بل اختطفَ جُثمانه، وحرمَ عائلته من إلقاءِ نظرةِ الوداع الأخيرة عليه، وطبعِ قُبلةٍ على جبينه، لكنّ العائلة صابرة والدُعاء هو سيد الموقف.

ويبيّن والده أنهم لم يصلهم حتى هذه اللحظة، أيّ نبأ عن تسليم جثمانه، مُردًدا: "إذا أرادوا احتجاز الجثمان فليفعلوا.. ما أغلى منه "الروح" ذهبت إلى بارئها، وبعد ذلك لا يوجد أيّ شيء".

"كيف يصبر أهالي الشهداء؟"، سؤال لطالما راود، والد محمد رمانة، حين يُشاهد فيديوهات الشهداء وذويهم، فهذا الألم فوق الطاقة، وأن تمس العائلة بفقدان أحد أفرادها، شعور صعب.

لكن اليوم بعد أن ذاق جبريل رمانة الوجع ذاته يختم حديثه معنا بالقول: "بعدما عشت الشعور اليوم، وربط الله على قلبي بالصبر، أقول لكل الفلسطينيين على طريق مسيرة التحرير، لا تخافوا إذا ارتقى أيّ أحدٍ من أقاربكم، فالله هو من يربط على قلوبنا وفلسطين تستحق".

يُذكر أنّ عدد الفلسطينيين الذين ارتقوا منذ بداية العام الجاري 257 شهيدًا، في الضفة الغربية وقطاع غزة، والداخل المحتل، وفق إحصاء وحدة البيانات في "وكالة سند للأنباء".