الساعة 00:00 م
الإثنين 07 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.82 جنيه إسترليني
5.28 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.1 يورو
3.74 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

رفعت رضوان.. شهيد الإسعاف الذي دافع عن الحياة حتى آخر لحظة

الشهيد محمود السراج.. حكاية صحفي لم تمهله الحرب لمواصلة التغطية

مقتل شرطي بغزة.. غضب واسع ودعوات عشائرية وحقوقية بضرورة إنفاذ القانون

بالصور أطباء أردنيون زاروا غزة.. شهادات على مرارة الحرب وآلامها

حجم الخط
الأطباء الأردنيين في غزة
غزة/عمان - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

في لحظاتٍ تتصارع فيها الحياة والموت، وبين جدرانٍ تهتز تحت وطأة القذائف، تخطى الأطباء الأردنيون حدود الألم والخوف، وتركوا دفء أوطانهم وأمان أسرهم، ليحملوا رسالتهم النبيلة إلى أرضٍ تعصف بها الحرب وتغمرها المعاناة، في تلك اللحظات التي يفصل فيها وميض القذائف بين الحياة والموت، شقوا طريقهم نحو غزة، حيث الأرواح تنتظر بارقة أمل في شفاء أو تخفيف آلام.

لم تكن رحلتهم مجرد عبور جغرافي، بل كانت عبورًا إلى قلب المعاناة، حيث يختلط الدم بالصمود، والأمل بالدموع، في كل زاوية من زوايا غزة، وفي كل نظرة من نظرات المرضى، كانت أناملهم تزرع بلسمًا وتضمد جراحًا، في مشهد يتجلى فيه أسمى معاني الإنسانية، تجردوا من خوفهم، وارتدوا عباءة الشجاعة، ليكونوا ضوءًا في ليلٍ حالك، ورمزًا للعطاء في زمنٍ طغى فيه الخذلان.

"أهل غزة ينتظرون مَن يربت على أكتافهم"، تلك الكلمات الثقيلة ترددت في ذهن الأطباء الأردنيين الذين زاروا قطاع غزة في أبريل/نيسان الماضي، كانوا يدركون أن كل لحظة تتأخر فيها على شعب غزة يُمكن أن تكون فارقة بين الحياة والموت، وبين الأمل واليأس.

"وكالة سند للأنباء" حاورت الأطباء الأردنيين من مكان إقامتهم في العاصمة الأردنية عمّان؛ وسلّطت الضوء على تجاربهم الصادمة أثناء زيارتهم إلى قطاع غزة، وعمق الأثر الذي تركته الحرب في قلوبهم ونفوسهم.

وفد 3.jpg

مشاهد قاسية..

يستهل الطبيب عمر طه حديثه بصوتٍ يملأه البكاء عند تعرضه لأحد المواقف في مستشفى غزة الأوروبي جنوب قطاع غزة، "من أكثر القصص التي نقشت في قلبي ندوبًا لا تُمحى، كانت قصة الطفل الصغير الذي بترت أطرافه الأربعة، وأُتي به إلى المشفى لتنظيف جراحه بعد البتر، حينما قال الطفل بكلمات بريئة تمزق القلب: "واللهِ يا دكتور، ماما قالتلي إن الأطراف الأربعة ممكن تنمو مرة أخرى". تلك الكلمات كانت كالسهم الذي اخترق روحي، مشهدٌ لا يُحتمل ولا يُنسى.

ويُكمل "طه" ما بدأه مع "وكالة سند للأنباء"، "في ذلك اليوم، كانت كلمات الطفل أكبر من أن أتحملها، وأشد من أن أواصل عملي بعد سماعها، كانت المرة الأولى والأخيرة التي تركت فيها عملي وعدت إلى مكان سكني، أحاول جاهدًا أن أستجمع شتات نفسي، وأسترد قوتي لأعود مجددًا إلى ساحة العمليات، حيث ينتظرني الكثير ممن يحتاجون إلى عون وإلى بصيص أمل، مهما كان صغيرًا.

ويُتابع ضيفنا، سرد المواقف العالقة في ذاكرته، متجاوزًا حدود الزمان والمكان، مع كل تفاصيل مؤلمة تعلقت في ذهنه كجراحات لا تندمل، قائلًا: "عندما واجهتني حالة المريض الذي أصيب بقذيفة، وفقد كل شيء في لحظة واحدة، كلماته لم تغادرني أبدًا عندما أمسك بيدي بقوة وقال بصوت ثابت، "مَن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط".

يصمت قليلًا ثم يروي لنا، "غالبًا ما نسمع من سكان غزة عن سعادتهم بشهدائهم أكثر من المصابين، يرون في الشهادة راحة وسلامًا، بينما ينتظر المصابون معاناة طويلة مع إصاباتهم، سواء بترت أطرافهم أو حروقهم، وقد يظلون يعيشون مع آلامهم حتى يشاء الله".

ويذكر "ضيف سند"، "تجربتنا كأطباء في زيارتنا إلى غزة كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر والتحديات، فالوضع الذي واجهناه لم يكن سهلًا بأي حال من الأحوال، زيارتنا لمستشفى غزة الأوروبي كانت بمثابة تحديات شاقة، حيث كانت الظروف غير مواتية والمخاطر تهددنا من كل جانب".

وفي سؤالنا عن أبرز التعقيدات والتحديات في تقديم الرعاية في غزة خلال الحرب؟، يُجيبنا: "كان وجود عدد كبير من العائلات النازحة في المستشفى يزيد من تعقيد الأمور، وتفاقم الوضع بسبب عدم وجود صرف صحي ونقص الأدوات الأساسية التي تسهم في النظافة والتعقيم، وعدم توفر الأدوات الضرورية لمتابعة المرضى وضمان سلامتهم".

ويستطرد ضيفنا التحديات، "ومن ناحية المخاطرة، كان علينا تقدير مدى الطوارئ لكل حالة مريض، واتخاذ القرارات الصعبة بشأن أولوية العلاج، حيث كانت العمليات الغير طارئة، مثل استئصال المرارة، تتحول إلى مخاطر تتزايد نتيجة للظروف القاسية التي يعيشها المرضى والمستشفيات".

ويُوضح "طه"، أنه بالرغم من الجهود في تأجيل العمليات غير الضرورية وتقديم الرعاية للحالات الطارئة، إلا أن الحقيقة المرة كانت مؤلمة، حيث كانت معظم الحالات تتطلب تدخلًا عاجلًا نظرًا للوضع القاتم الذي كان يعصف بالمنطقة بفعل القصف المستمر والإصابات الخطيرة التي نتجت عنه.

ويُعبّر، "الشعور الذي انتابنا خلال مواجهتنا للمعاناة كان مرهقًا للغاية، حيث كان الشعور بفقدان السيطرة يثقل على قلوبنا، وكانت الأمور تبدو خارجة عن نطاق السيطرة، مما أدى إلى تعب نفسي شديد".

ويزيد "طه"، "كانت استمرارية القصف والهجمات المدفعية، وتدفق الإصابات، وتعقيم المعدات الصحية بصعوبة، وتهديد سلامة المرضى، كلها عوامل تجعلنا نشعر بفقدان السيطرة واليأس، ولولا ثقتنا بالله واعتمادنا عليه، وقناعتنا بأننا نقوم بكل ما في وسعنا وأن التوفيق يأتي من الله أولا وآخرا، لكان الشعور بالعجز أكثر وضوحًا".

ويُشير ضيفنا إلى أن كافة المستشفيات في قطاع غزة تعتمد بشكل كبير على الوفود لتلبية احتياجاتها الأساسية، سواءً كانت ذلك في توفير الأدوية الضرورية أو أي مستلزمات تتعلق بسير المستشفيات وإجراء العمليات الطبية. ومن بين كل هذه الاحتياجات، يُشكل إغلاق معبر رفح تحديًا كبيرًا يثير القلق الشديد، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى توقف الخدمات الطبية وإغلاق المستشفيات بشكل كامل.

وفد 19.jpg

أهل غزة منبع للكرم رغم مرارة العيش..

أمّا عثمان الصمادي - دكتور في الهندسة الطبية بالجامعة الأردنية الهاشمية، لا يختلف شعوره كثيرًا عن زميله الطبيب عمر طه، إذ يستهل حديثه قائلًا: "من القصص التي أثرت في قلبي، هي قصة الغزّي الصامد، هذا البطل الذي يحمل في داخله مبادئه الراسخة وروحه النبيلة، وجذوره العميقة في تراب الأرض، رغم الحصار القاسي، والقهر الذي يعيشه، والخذلان الذي تلقاه من جانب أمته العربية والإسلامية، إلا أنه ما زال ينبض بالمحبة، والعطاء، ويستقبل ضيوفه بتواضع مدهش".

ويُكمل "الصمادي" لـ "وكالة سند للأنباء من القصص المؤلمة هي قصص النازحين الذين يضطرون للنزوح مرات عدة، ومنهم العاملون في القطاع الصحي الذين يتعرضون للنزوح رغم كونهم من أصحاب المنازل في الشمال. هؤلاء النازحون، الذين يعيشون في خيام بعيدة عن مناطقهم، يجدون أنفسهم يتجهون نحو أقرب مستشفى لمواصلة رسالتهم الإنسانية.

ويُتابع بنبرةٍ شجية "ضيف سند"، "ومن الزملاء في الطب، هناك العديد الذين فقدوا أحباءهم وأسرهم وبقوا وحيدين، يأتون للعمل في المستشفيات بعد أن يعودوا ولا يجدوا مكانًا للإقامة، ومع ذلك، يظلون يعملون بجهد وتفانٍ، يعملون لساعات طويلة تتجاوز 12 ساعة في اليوم، وأحيانًا حتى يواصلون الليل بالنهار".

ويُوضح ضيفنا في حديثه، "تمت زيارتي بشكل شامل لتقييم وضع القطاع الصحي، بدءًا من البنية التحتية وصولًا إلى الأجهزة الطبية والمستلزمات الطبية، وكان من بين المسائل الرئيسية التي جذبت الانتباه تصليح جهاز الـ (CT Scan) الوحيد العامل في قطاع غزة، ومن خلال جهودنا في المستشفى الأوروبي، تم استيراد أجهزة جديدة من الأردن وتبديلها بنجاح، فهذه الخطوة أثرت بشكل كبير على سكان جنوب قطاع غزة، وكانت بمثابة شعاع أمل بدعم وتضامن أهلهم وإخوانهم في الأردن".

ويُشير "الصمادي" إلى أن الأجهزة الطبية في غزة توقفت عن التحديث منذ أكثر من 20 عامًا، وهذا يعني أن الحالة الحالية ليست مجرد تحدٍ، بل هي أزمة تطال كل جانب من جوانب الحياة الطبية. ومنع دخول أي معدات جديدة، وحتى قبل الحظر الأخير الذي فرض في أكتوبر الماضي، كان الوضع مأساويًا بالفعل.

وفد 16.jpg

ماذا عن الإجراءات التي اتخذتها لتقديم العلاج والرعاية الطبية للمصابين والمرضى في ظل الظروف الاستثنائية؟ يُجيب: "بالنسبة للإجراءات التي اتخذتها بصفتي مهندس طبي، فإن الدور الذي يلعبه المهندسون الطبيون في إدارة الأزمات لا يُستهان به. قبل نزولي بأربعة أيام، عندما علمت بالأوضاع، تواصلت مباشرة مع المسؤولين في وزارة الصحة على الأرض. بدأت في تحليل الوضع، وتمييز نقاط الضعف، وتطوير حلول فورية، بدءًا من إنشاء نماذج وأوراق عمل إلكترونية، وصولًا إلى تنظيم العمليات بشكل مُحكم، وتحسينات كبيرة في أداء النظام الصحي.

وفي سؤالنا، كيف تأثرت نفسيتك وعواطفك خلال تعاملك مع الوضع الإنساني الصعب في غزة؟ بعد تنهيدة اختصرت حجم الألم يُجيبنا: "أود أن أشارك شعوري الشخصي، تراكمت الأحداث بشكل كبير خلال الـ 16 يومًا التي قضيتها في غزة، ولكن لم أسمح لنفسي بأن يتسلل إليها الشعور بالعجز أو اليأس أو الحزن الشديد، بالطبع، في بعض الأوقات تتسرب الدموع، وتشعر بالحزن، ولكن يجب أن تظل قويًا لأن هناك مسؤوليات كبيرة في وقت قصير، وهناك أشخاص يعتمدون على دعمك، ويحتاجون منك إلى تعزيز الصمود".

ويزيد "الصمادي" في إجابته، "بعد عودتي من غزة، انفجرت كل مشاعري، وعندما نزلت من الطائرة في المطار، وبمجرد أن عانقت أبنائي، انهمرت الدموع من عينيّ. جلست في السيارة وقادت زوجتي، وطوال الطريق إلى المنزل، لم أتوقف عن البكاء. السبب وراء ذلك، هو أنني كنت في مكان آمن مع أحبائي، وهذا الشعور البسيط الذي يشعر به أي شخص، لكنه يُحرم منه أهل غزة. لماذا يتعرضون للحرمان؟ لا يوجد سبب سوى الظلم الذي يعانونه، هم أشخاص يستحقون الأفضل، وهم نبلاء وأفضل منا، وهم أشجع منا، ولم يؤذوا أحدًا، فالظلم والأذى يقع عليهم دومًا".

ويروي "الصمادي" ماذا فعلت به غزة، "خلال تلك الـ 16 يومًا كانت كالعمر بأكمله، هناك، وجدت نفسي أعيد تقييم معنى الحياة، وارتباطي بالله سبحانه وتعالى، وأهمية الأمور في الحياة، غزة أعادت تعريفي لمفهوم المعجزة الحقيقية، حيث يوجد بشر يعانون، ويبكون، ويحزنون على فراق أحبتهم، ومع ذلك، يستمرون في المضي قدمًا في هذه الحياة. بعضهم يدرك أن الآخرة هي الأفضل والأبقى، وبعضهم مرتاح بقضاء الله وقدره، بغض النظر عن الصعوبات والمحن".

وفد 9.jpg

تحديات صعبة..

أمّا، الطبيب محمد جاموس – استشاري جراحة العظام والمفاصل، زار قطاع غزة نهاية شباط/فبراير المنصرم، يتحدث، "التحديات التي واجهتها كانت بسبب نقص الكوادر الطبية وتدهور الوضع الصحي المحلي، بالإضافة إلى نقص الأدوات والمعدات الضرورية".

ويؤكد "جاموس"، أن الحالات الأكثر صعوبة وتأثيرًا كانت هي تلك التي تعاني من التهابات شديدة في الجروح، نتيجة لتأخر تقديم العلاج اللازم لفترات طويلة.

ويستطرد ضيفنا، "عملت بجدية كمتطوع في المستشفى الأوروبي جنوب قطاع غزة، حيث قمت بتقديم كل ما طُلب مني وفق الإمكانيات المتاحة في القطاع الصحي. ورغم ذلك، يبدو أن إعادة بناء البنية التحتية ستتطلب سنوات عديدة لتحقيق التحسينات اللازمة".

ويُشير إلى أن الحالات التي تم التعامل معها في مجال الجراحة كانت غالبًا متعددة الإصابات، وكانت تتطلب علاجات جسدية وعلاجات فيزيائية ونفسية لفترات طويلة.

تأثير الحرب على الصحة النفسية..

يقول الطبيب النفسي الأردني عمار العطار لـ "وكالة سند للأنباء"، إن تأثير الحرب النفسي على الأفراد مستمر ولا يتوقف، بغض النظر عن الظروف، طبيعة البشر تجعلهم يتأثرون بالعوامل المحيطة بهم، وهذا مثبت علميًا وطبيًا على مستوى عالمي، فالحرب واحدة من هذه العوامل التي تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية، فما بالك إذا كانت الحرب تتسبب في إصابات، فقدان أحباء، نزوح، وتغيير الأماكن. كل هذه الأمور تؤثر بشدة على النفسية".

ويضيف "العطار"، "عند دخولي إلى غزة، لاحظت تأثير الحرب بشكل واضح. مناظر الدمار، البيوت المقصوفة، والخيام، إضافة إلى عدم وجود الكهرباء ليلًا، كل هذا يخلق جوًا من الكآبة والترحيب بك في غزة تحت وطأة الحرب، تستطيع رؤية تأثير الحرب على وجوه السكان وملامحهم، رغم استقبالهم الحار لنا كوفد. النظرة الأولى قد تبدو إيجابية، لكن هناك الكثير من الألم المخفي تحت السطح".

ويُكمل "ضيفنا"، "الناس في غزة يظهرون إيجابيتهم في الوهلة الأولى، لكن بداخلهم يعانون من آثار نفسية عميقة، كل شخص التقيت به كان يرغب في الجلوس معي لمجرد معرفة أني طبيب نفسي، سواء كانوا من الناس العاديين، الكادر الطبي، الممرضين، الموظفين، النازحين، أو أهالي الجرحى. كلهم كانوا بحاجة للحديث والتفريغ عن مشاعرهم المكبوتة منذ سبعة أشهر أو أكثر، لأنهم أخيرًا وجدوا مَن يستمع إليهم".

ويُتابع، "هذه النظرة الإيجابية الأولى يمكن أن تراها عندما تنظر للصورة من بعيد، ففي الطب النفسي، نعتبر هذا نوعًا من آليات الدفاع النفسي، حيث يستخدم الشخص مشاعر الفرح والإيجابية لمواجهة التوتر الشديد الذي يعيشه، رغم أنه قد يكون مجروحًا ومكسورًا من الداخل، لكن عندما تجلس مع أي شخص، يبدأ في سرد قصته التي قد تكون مكبوتة في صدره لسبعة أشهر أو أكثر".

ويرى "العطار" أنه من الصعب جدًا مشاركة قصص الحزن مع أبناء المخيم الذين تعرضوا لنفس الضغوط النفسية؛ لأن كل شخص قد يكون لديه قصة حزينة أكثر من الأخرى.

وفد 6.jpg

وفد 7.jpg

وفد 20.jpg

وفد 21.jpg

وفد 12.jpg

وفد 10.jpg

وفد 8.jpg

وفد 2.jpg