نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقابلات مع ثلاثة جنود احتياطيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي قاتلوا في حرب الإبادة ضد قطاع غزة، يرفضون العودة للقتال وأن يكونوا جزءًا من الجيش.
وعزت الصحيفة موقف جنود الاحتياط إلى امتناع الحكومة الإسرائيلية عن إبرام صفقة تبادل للأسرى وغياب أي قواعد للاشتباك فضلا عن الممارسات الإجرامية للجنود وتعمد القتل والتدمير من دون رادع.
وذكرت الصحيفة أنه بالنسبة للمسعف العسكري الإسرائيلي "يوفال جرين"، كان الأمر بحرق منزل هو الذي جعله يقرر إنهاء خدمته الاحتياطية في جيش الاحتلال.
وكان جرين قد أمضى 50 يوما في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة في وقت سابق من هذا العام مع وحدة المظليين التابعة له، حيث كان ينام في منزل مضاء فقط بأضواء تعمل بالبطاريات وسط الأنقاض والدمار.
وذكرت الصحيفة أن جرين كان بدأ يشك في هدف الوحدة هناك قبل أشهر عندما سمع عن رفض الحكومة الإسرائيلية الموافقة على مطالب المقاومة الفلسطينية بإنهاء الحرب وعقد صفقة تبادل للأسرى.
وغرين هو أحد ثلاثة جنود احتياطيين إسرائيليين قالوا لصحيفة الأوبزرفر إنهم لن يعودوا إذا ما تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية في غزة. وكان الثلاثة قد أدوا الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش.
غضب من حدة الدمار
أوردت الصحيفة أن السلوك المدمر الذي شهده جرين من جنود آخرين لم يؤد إلا إلى تأجيج المخاوف التي كانت تراوده عندما ذهب إلى غزة، حيث أصابه اليأس مما وصفه بدورة العنف.
وقال "كنت أرى الجنود يخطون على المنازل أو يسرقون طوال الوقت. كانوا يدخلون المنازل لأسباب عسكرية، بحثًا عن أسلحة، لكن كان الأمر أكثر متعة عندما كانوا يبحثون عن الهدايا التذكارية فقد كانوا مولعين بالقلادات التي تحمل كتابات عربية وكانوا يجمعونها".
ثم قال "لقد تلقينا أمرًا. كنا داخل منزل وأمرنا قائدنا بإحراقه".
وعندما أثار الأمر مع المسئول عنه، أضاف: "لم تكن الإجابات التي أعطاني إياها جيدة بما فيه الكفاية. فقلت: إذا كنا نفعل كل هذا بلا سبب، فلن أشارك. وغادرت في اليوم التالي".
وتتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وأسفرت حتى الآن عن قتل أكثر من 39 ألف فلسطيني فيما يعتقد أن آلافاً آخرين ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض، كما أصيب ما لا يقل عن 90 ألف آخرين، وتشرد أغلب سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. وفي الوقت نفسه، يخشى المراقبون أن يمتد القتال إلى لبنان.
وقال اثنان من جنود الاحتياط إنهم قد يشعرون بأنهم مجبرون على العودة إلى الخدمة إذا تحول تبادل الهجمات بطائرات بدون طيار والغارات الجوية ونيران المدفعية بين "إسرائيل" وحزب الله في لبنان إلى حرب كاملة.
ويشير الثلاثة إلى دوافع مختلفة وراء قرارهم بعدم الخدمة في غزة مرة أخرى، بدءاً من الطريقة التي يدير بها الجيش الإسرائيلي الحرب، إلى إحجام الحكومة عن الموافقة على صفقة تبادل الأسرى التي تقدم نهاية للحرب.
ويمثل جنود الاحتياط الثلاثة الذين تحدثوا علناً عن عدم رغبتهم في العودة إلى الخدمة أقلية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الرفض العسكري في دولة الاحتلال يعتبر عادة غير قانوني.
تمرد واسع
وفي الشهر الماضي، وقع 41 جنديا احتياطيا على رسالة مفتوحة أعلنوا فيها أنهم لن يستمروا في الخدمة في هجوم الجيش الإسرائيلي على مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وكتب هؤلاء "لقد أثبتت لنا نصف السنة التي شاركنا فيها في المجهود الحربي أن العمل العسكري وحده لن يعيد الأسرى إلى ديارهم. فكل يوم يمر يعرض حياة الأسرى والجنود الذين ما زالوا في غزة للخطر، ولا يعيد الأمن إلى سكان غزة والحدود الشمالية".
وقال مدرس التربية المدنية تال فاردي، الذي قام بتدريب مشغلي الدبابات الاحتياطية في شمال دولة الاحتلال خلال فترة عودته الأخيرة إلى الجيش: "أي شخص عاقل يستطيع أن يرى أن الوجود العسكري لا يساعد في إعادة الأسرى".
وأضاف "لذا، إذا لم نتمكن من استعادة الأسرى، فإن كل ما يحدث هو التسبب في المزيد من الموت على جانبنا أو الجانب الفلسطيني... لم يعد بإمكاني تبرير هذه العملية العسكرية بعد الآن. أنا غير راغب في أن أكون جزءًا من جيش يقوم بهذا".
وذكر "أن بعض هذه العمليات عرضت الأسرى للخطر، كما قتل الجيش بعضهم عن طريق الخطأ"، مشيرا إلى حادثة وقعت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على ثلاثة أسرى في غزة اقتربوا منها وهم يلوحون بالأعلام البيضاء، فيما وصفه جيش الاحتلال بأنه حالة من الخطأ في تحديد الهوية.
وقال الجندي الاحتياطي مايكل عوفر زيف، الذي قال إن الحادث أثار في نفسه شعوراً قوياً بأنه بمجرد انتهاء خدمته العسكرية على حدود غزة، فلن يعود.
وبالنسبة له، فإن الحادث يرمز إلى الافتقار العام إلى الرعاية، وكان قلقاً بشأن النظام الذي يمكن أن تحدث فيه أخطاء مثل هذه.
عاد زيف إلى جيش الاحتلال بعد أيام من هجوم طوفان الأقصى ليعمل كضابط عمليات، الأمر الذي تطلب منه قضاء ساعات طويلة في التحديق في شاشات تعرض بثًا مباشرًا من طائرات بدون طيار لمقاطع فيديو من جزء صغير من القطاع.
وهذا يعني قضاء أيام في مراقبة الحياة اليومية للفلسطينيين، ومشاهدة الكلاب الضالة أو السيارات وهي تعبر الشوارع التي تم قصفها.
وقال "فجأة، ترى مبنى يرتفع، أو سيارة كنت تتابعها منذ ساعة تختفي فجأة في سحابة من الدخان. يبدو الأمر غير واقعي، كان البعض سعداء برؤية هذا، لأن ذلك يعني رؤيتنا ندمر غزة".
وعندما دخلت القوات البرية من وحدته إلى قطاع غزة، كان دوره هو تتبع تحركاتهم وأنشطتهم للحصول على الدعم، فضلاً عن طلب أهداف للغارات الجوية.
وقال "كنا نحصل دائمًا تقريبًا على موافقة لإطلاق النار"، وأضاف أن عملية الموافقة مع القوات الجوية "كانت بيروقراطية في الأساس".
لا قواعد للاشتباك
كما أعرب عن انزعاجه مما وصفه بعدم الوضوح لدى الجنود فيما يتعلق بقواعد الاشتباك، والتي قال إنها كانت أكثر وضوحًا خلال خدمته العسكرية الإلزامية، وشعر أن القواعد خلال هذه الحرب كانت أكثر تساهلاً من أي شيء واجهه سابقًا.
وقال "بعد أن أطلقوا النار على الأسرى الثلاثة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حاولت أن أتذكر ما إذا كنت قد رأيت وثيقة مثل هذه من قبل ـ كان من المفترض أن أشاهدها. كنت متأكداً من أن هناك إحاطة للجنود، ولكن في غياب أي وثائق يمكن الاعتماد عليها، لم يكن من الواضح ما فهمه الناس".
ويتذكر زيف بكاءه في الحمام بعد أن فقدت وحدته أثر طفل فلسطيني مصاب عند نقطة تفتيش. وقال إن مثل هذه الأشياء جعلته يتساءل عن دوره في الحرب والغرض العام من القتال.
وقال إن قرار غزو رفح بدلاً من إبرام صفقة أسرى أكد له أنه لن يعود إلى الجيش. وعندما طُلب منه مؤخراً العودة، قال لقائده إنه لا يستطيع العودة.