قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن "شهادة المحارب" التي نالها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" يحيى السنوار حولته إلى بطل فلسطين الخالد.
وبحسب الصحيفة "أظهرت تناقضات في الرواية الإسرائيلية الرسمية عن اللحظات الأخيرة في حياة السنوار قبل استشهاده، وهو ما يبدو من المرجح أن يزيد من عقيدة وثقافة المقاومة وعبادة الاستشهاد التي تنمو بسرعة حول زعيم حماس".
وذكرت الجارديان أن التشريح الإسرائيلي الذي أجري على السنوار خلص إلى أنه استشهد متأثرا بطلق ناري في رأسه، وهو ما يتناقض مع الرواية الأولية للقوات الإسرائيلية التي أشارت إلى أنه قضى بقذيفة دبابة أطلقت على المبنى المدمر حيث خاض معركته الأخيرة.
وبحسب تشين كوغل، مدير المعهد الوطني الإسرائيلي للطب الشرعي، الذي أجرى تشريح الجثة، فإن سبب استشهاد السنوار كان جرح رصاصة في الرأس.
وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، لم يتكهن كوغل بمن أطلق الرصاصة القاتلة، سواء كان ذلك أثناء مناوشة مع جنود إسرائيليين قبل إطلاق رصاصة الدبابة، أو بعد العثور عليه بين أنقاض المبنى.
مسدس ضابط إسرائيلي
كشفت الجارديان أن السنوار كان يحمل في معركة الأخيرة مسدسا معه، كان يخص في السابق ضابط استخبارات عسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي، قتل خلال مهمة سرية في غزة في اشتباك مع عناصر كتائب القسام عام 2018.
وقالت إن حقيقة استشهاد السنوار وهو يرتدي زيًا عسكريا وسترة قتالية بعد إطلاق النار وإلقاء القنابل اليدوية على جنود إسرائيليين، وحتى مهاجمة طائرة بدون طيار بهراوة خشبية ألقاها بذراعه العاملة المتبقية في لفتة أخيرة من التحدي، كل هذا يجعله متميزًا عن كل قيادات المقاومة الآخرين.
وأبرزت أن السنوار ترك خلفه جثة مقاتل مزقته الحرب، وقد يقارنها بعض الفلسطينيين بالصورة الأخيرة لتشي جيفارا، الطبيب الأرجنتيني الذي قاتل في ثورة كوبا لكنه توفي في النهاية على أيدي الجيش البوليفي عام 1967، وأصبح رمزًا لقضيته.
وينتشر على شبكة الإنترنت مقتطف من قصيدة شهيرة للشاعر الفلسطيني الأكثر شهرة محمود درويش، مصحوبة بإشارات إلى أن القصيدة تنبأت بنهاية السنوار.
تقول الأبيات من قصيدة "مديح الظل العالي": "حاصر حصارك... لا مفر. لقد سقطت ذراعك، لذا التقطها واضرب عدوك... لا مفر، وسقطت بالقرب منك، لذا التقطني واضرب عدوك معي... أنت الآن حر، حر، حر".
وكتب درويش القصيدة في لحظة انحدار أخرى للقضية الفلسطينية، في قارب نقله هو ونشطاء وناشطين آخرين من بيروت إلى تونس بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة في لبنان عام 1982 والتي كانت تهدف إلى تدمير منظمة التحرير الفلسطينية.
إن شعر درويش يستحضر في الأذهان فظائع القصف الذي تعرضت له بيروت والمذابح التي تعرض لها الفلسطينيون والمسلمين الشيعة اللبنانيون في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين في لبنان في ذلك الوقت.
وأكدت الجارديان أن استشهاد السنوار سيضمن له بالتأكيد مكانة مميزة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني.
ولفتت إلى أنه لمساعدته بشكل أكبر في تشكيل روايته المرغوبة، ترك زعيم حماس وراءه نصًا، في شكل رواية سيرة ذاتية عام 2004 بعنوان "الشوك والقرنفل"، والتي كتبها في السجن الإسرائيلي وتم تهريبها على أجزاء.
إن الشخصية البديلة للسنوار في الكتاب "إبراهيم" هو شخص متعصب ملتزم بالقضية ويتوقع من الفلسطينيين أن يكونوا "مستعدين للتضحية بكل شيء من أجل كرامتهم ومعتقداتهم". ويتساءل إبراهيم في الرواية: لماذا التفاوض مع إسرائيل عندما تستطيع حماس "فرض قواعد أخرى للعبة"؟
وهذا هو ما كان السنوار يعتقد أنه يفعله بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما كان يأمل بوضوح أن يكون إرثه. ويبدو أن الأسطورة المحيطة به، والتي زرعها بجد واجتهاد وهو لا يزال على قيد الحياة، سوف تظل حية من خلال آلاف الملصقات والجداريات في الشوارع. وقد كان إرثه أيضًا هو "تغيير قواعد اللعبة".