لا يمكن لكلمات أن تصف حال قلب أمٍّ فُجِعت بأطفالها وزوجها على مرأى عينها، بينما تعُض السيدة رجاء حمدونة على جرحها الذي لم يندمل، في محاولة إنقاذ ابنتها الناجية الوحيدة، بعد أن دهست دبابة إسرائيلية مُجنزرة زوجها وأبناءها أمام ناظرها.
وتروي السيدة "حمدونة" في مقطع فيديو تابعته "وكالة سند للأنباء"، حادثة دهسها وعائلتها من دبابة إسرائيلية خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، والتي تسببت بارتقاء زوجها وأبنائها، بينما تركت لها ابنةً واحدةً مصابة، تُطالب بضرورة سفرها لإنقاذ حياتها.
وتقول "حمدونة" أصيبت ابنتي "سناء" في حادثة مشتركة استشهد فيها والدها أكرم الهربيد وإخوتها الاثنين، بينما تعرضت هي لطلق ناري متفجر في قدمها اليمنى وكسور، كما تعاني من خلع في "الحوض"، ما يفاقم سوء إصابتها.
وتصف الأم المكلومة حال طفلتها التي تشكو آلاماً لا تُعد، " ابنتي لا تستطيع المشي إلا لمسافات لا تتعدى 10 أمتار، ثم تسقط أرضاً"، مضيفةً:" وأنا أُصبت في نفس الحادثة، زحفت وأنا غارقة في دمي حتى أنقذ بنتي الوحيدة.
وتُطالب "حمدونة" بضرورة إحالة ابنتها الوحيدة المتبقية لها؛ للسفر للعلاج في الخارج، في ظل انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة نتيجة حرب الإبادة الجماعية على القطاع، والحاصر الخانق الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
تفاصيل موجعة..
أما عن تفاصيل الحادثة، تعود السيدة "رجاء" إلى لحظة إصابة زوجها رفيق دربها، وأبنائها الثلاثة، في مشهد أشبه بأفلام "الخيال"، بعد أن دهستهم دبابة إسرائيلية في آن واحد، كانت قد اقتحمت مكان تواجدهم.
لم تتمالك السيدة "حمدونة" نفسها من البكاء عندما تحدثت عن نجلها "إبراهيم" الخائف والمُدرج بدمائه قائلةً:" زحف إبراهيم من بين إخوته، كان غارقاً بدمه ويرتجف، طلبت منه أن يذهب إلى أبيه، لكنه أجابني" لا أنا خايف"، فاحتضنته والدته معقبة على ذلك " كان مشهد زوجي مخيفاً جداً".
وتتابع حديثها بصوتها المتحشرج، أن زوجها شرع بنطق الشهادتين، فما أن وصل إلى قوله "أشهد أن محمداً رسول الله"، رد عليه نجلها "إبراهيم" ببراءة مطلقة "حي على الصلاة حي على الفلاح"، وهو ما حفظه من أذان الصلاة.
وما هي لحظات قليلة حتى سمعت "حمدونة" صوت الدبابة الإسرائيلية قادمة من بعيد ترُجُ الأرض بثقل جنازيرها.
"ماما اعمل حالك ميت وأنا مثلك رح أعمل نفسي ميتة"، كانت هذه الكلمات رد الفعل البديهي من أم تشربّت الخوف على نجلها الصغير، قبل أن يتساءل "إبراهيم" ببراءته " بدها تدعسنا مرة تانية"؟.
كانت دقائق معدودة ثم اختفى صوت الدبابة وخفت معها صوت إبراهيم ووالده وأخيه، ليفارق الحياة إلى الأبد.
أطفال غزة بين شهداء وجرحى..
وتسببت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، باستشهاد 17 ألفا و818 طفلاً، من بينهم 238 رضيعا ولدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية، و853 طفلا استشهدوا خلال الحرب وأعمارهم أقل من عام، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.
ولا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تُمعِن في خرق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة منذ بدء سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، من خلال تنصلها المستمر عن تنفيذ البروتوكول الإنساني، وعلى رأسه تلبية احتياجات القطاع الصحي، وسفر المرضى والجرحى للعلاج، ومن بينهم الأطفال.
بينما تراكمت أعدادٌ كبيرة من الحالات المرضية والجرحى في قطاع غزة إلى عدد تجاوز 20 إلى 30 ألفاً في انتظار سفرهم للعلاج خارج القطاع.
ومن بين العدد السابق، 8 آلاف من الأطفال الأقل من 12 عاماً، أي ما نسبته 40% من عدد الحالات موزعين في جميع أنحاء القطاع، بحسب ما أفاد به رئيس قسم الأطفال بمستشفى ناصر الطبي في خانيونس أحمد الفرا في تصريح سابق لـ"وكالة سند للأنباء".