أضحى الجلوس على مائدة الإفطار مع العائلة في شهر رمضان المبارك، حلمًا يراود مئات المواطنين بالضفة الغربية، ممن تجبرهم حواجز الاحتلال الإسرائيلية على المكوث ساعات عليها بانتظار فتح الحاجز أمامهم.
فمنذ بداية شهر رمضان المبارك، تجبر حواجز الاحتلال الإسرائيلي التي تقطّع أوصال الضفة الغربية المواطنين الذين يضطرون لعبورها على تناول وجبة الإفطار في مركباتهم التي تزدحم بالعشرات محملة بالرجال والنساء والأطفال.
إلى الشرق من مدينة نابلس، حيث حاجز بيت فوريك المعروف بأنه من أسوأ الحواجز بالضفة الغربية وفي شمالها تحديدًا، تتكدس عشرات المركبات يوميًا لساعات طويلة جدًا، بانتظار السماح لها بالمرور للوصول لقريتي بيت فوريك وبيت دجن اللتان يفصلهما الحاجز عن محيطهما بشكل كامل.
وعن ذلك يحدثنا الصحفي محمد أبو ثابت، وهو من سكان قرية بيت دجن، أن أهالي قريته وقرية بيت فوريك يعانون معاناة شديدة بفعل الحاجز العسكري الجاثم على مدخل البلدتين شرق نابلس.
ويقول لـ "وكالة سند للأنباء"، إن حدة هذه المعاناة تصاعدت في شهر رمضان الفضيل، حيث يضطر المواطنون لتناول وجبة الإفطار يوميًا على الحاجز، مشيرًا إلى أن أعداد المواطنين تكون بالمئات؛ نتيجة الأزمة التي تفتعلها قوات الاحتلال، وإجراءات التفتيش المعقدة.
وتحسبًا لانقضاء وقت الإفطار على الحاجز، يحرص المواطنون على شراء وجبات من المدينة قبل توجههم للحاجز؛ لأنهم يعلمون أنه سيكون هناك تأخير، وفق "أبو ثابت".
ويتابع ضيفنا: "يشتري المواطنون الوجبات خصيصًا لتناولها على الحاجز، أو أنهم يكونوا قد اشتروا الطعام لعائلاتهم في القرية، لكنهم لا يصلون قبل الإفطار فيتناولوها على الحاجز".
ويبيّن "أبو ثابت" أن ما يواجهه المواطنون على الحواجز منذ بداية شهر رمضان، هو معاناة غير مسبوقة، تحديدًا على حاجز بيت فوريك.
ووسط الصورة السوداوية لمعاناة المواطنين على الحواجز الإسرائيلية، يحرص بعض الناشطين وفاعلو الخير على تقديم العون قدر المستطاع للمواطنين الذي يتأخرون بالوصول لبيوتهم بسبب تلك الحواجز.
وينتشر ناشطون على مداخل المدن وبالقرب من الحواجز العسكرية الإسرائيلية لتقديم المياه والتمر وبعض الوجبات الخفيفة أحيانًا وتوزيعها على مركبات المواطنين.
الشاب محمد جبريل من نابلس، يشارك مع أصدقائه في توزيع المياه على مداخل مدينة نابلس لمركبات المواطنين، ويقول لـ "وكالة سند للأنباء": "ليست السنة الأولى التي أشارك بها في هذا العمل التطوعي، لكنها الأكثر صعوبة على المواطنين الذين يتنقلون بين القرى والمدن عبر الحواجز".
ويضيف: "هناك من يمضي 5 ساعات وأكثر على الحاجز، وينقضي وقت الإفطار وصلاة العشاء والتراويح وهو لا يزال محتجزًا بمركبته على الحاجز، وما نقوم به هو أقل القليل للتخفيف عنهم".
عقاب جماعي وتحريض على المقاومة..
من جهته، يشير الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، إلى أن حالة الحواجز العسكرية ليست حالة عابرة، إنما استخدمت في سنوات سابقة وتحديدا في انتفاضة الأقصى عبر نصب البوابات والأبراج العسكرية والسواتر الترابية، مؤكدًا أن الهدف منها هو عقاب جماعي للمواطنين.
ويضيف القيق في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، أن الاحتلال يسعى من وراء التضييق على المواطنين عبر حواجزه، لأن يكون هناك رأي عام في داخل البلدة والقرية والمخيم والمدينة بمنع المقاومة أو التوجه للمقاومة، وصولا إلى التحريض عليها، حتى لا يكون للاحتلال تداعيات ويضع الحواجز ويعاقب الناس.
ويرى المحلل السياسي أن هذا الأمر ينسحب على الموظفين والعمال في الداخل المحتل، ومنح التصاريح للعمال، مضيفًا: "لذلك هذه الحواجز يضعوها حتى يضغطوا الناس ضغطا جمعيا ويعطل الحياة اليومية، وتصبح الحياة شبه مستحيلة، ما يدفع كثيرًا منهم لمحاربة المقاومة سواء بعقله دون أن يتحدث، أو بلغته إذا تجاوز الحدود وباتت الأمور أكثر تعقيدا لديه في حياته وفي رزقه اليومي".
طمأنة للمستوطنين..
وبالإضافة لكون الحواجز العسكرية موجهة للحاضنة الشعبية لضربها وتحريضها ضد المقاومة، يرى القيق أنها "رسالة راحة وطمأنة للمستوطنين على الشوارع الرئيسية، بأننا حشرنا هؤلاء الناس، ولن يكون هناك أزمه مرورية، ولن يكون هناك أي تطورات لديكم، نحن الجنود في مداخل هذه المدن بحواجزنا نمنع التوتر ضدكم، وهذه نوعا ما طمأنه للمستوطنين وإنعاش المعنوياتهم المنهارة على واقع العمليات في الضفة وفشل الجيش في غزة".
وفيما يتعلق بترتيب البيت الإسرائيلي عبر تكثيف الحواجز بالضفة والتضييق على المواطنين فيها في سبيل تطبيق خطة الضم، يقول القيق: "خطه الضم هي أساسية في ترتيب البيت الإسرائيلي نحو التوسع الاستيطاني، وكذلك الجغرافيا الكبيرة التي تحدث عنها نتنياهو في موضوع الشرق الاوسط الجديد".
لذلك، يرى ضيفنا، أنه عند الحديث عن الضفة الغربية فهي مهمة لدى الاحتلال الإسرائيلي كقاعدة أولية في حالة الضم والتوسع، لافتًا إلى أنه مرتبط بقرار نقل السفارة الأمركية للقدس من قبل ترامب في دورته الأولى".
ويكمل: "التوسع يأتي ضمن ضم الضفه الغربية، حيث لا يوجد إشاره لتهجير غزه بعد فشلهم بتهجير سكانها بالابادة الجماعية".
ويستطرد: "جزء من وجود الحواجز العسكرية هو دفع الناس للخلاص من الحالة الاقتصادية السيئة والتواصل الجغرافي المتقطع لدفعهم للهجرة إلى الخارج أو التقوقع داخل المدن، وبالتالي تصبح مساحات واسعة من الأراضي لصالح المستوطنين مهملة تزامنًا مع اعتداءاتهم المتصاعدة".
ووفقًا لذلك، تصبح خطة الضم مرتبة بقرار سياسي، الجيش يصادر الأراضي والمستوطنين يمارسون إرهابهم، وهو ما يدفع الكثيرين للهجرة للخارج لانعدام الأفق، بالتالي هي مسألة عض على الأصابع ومن يقول استسلمت أولًا، وفق القيق.
ويصل عدد الحواجز العسكرية بالضفة الغربية إلى 900 حاجز وبوابة حديدية وساتر ترابي، تتوزع على مختلف محافظات الضفة الغربية: في محافظة الخليل 229، محافظة نابلس 147، محافظة رام الله 129، محافظة القدس 83 محافظة بيت لحم 65 محافظة قلقيلية 53، محافظة سلفيت 50، محافظة طوباس 33، محافظة أريحا 32، محافظة طولكرم 27، ومحافظة جنين 24، فيما تسير حركة المستوطنين على الطرق بانسيابية تامة في حماية جيش وشرطة الاحتلال، وفق تقرير سابق للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان.
في حين يشير مدير عام النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داود، لأكثر من 146 بوابة حديدية أقامها الاحتلال بأنحاء الضفة بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، منها 17 منذ بداية العام 2025.