قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن استراتيجية الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو وصلت إلى طريق مسدود مع تصاعد الاحتجاجات الداخلية فيما يتعلق بحرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف.
وسلطت الصحيفة في تقرير لها على تصاعد الاحتجاجات والشكاوى من الإرهاق بين جنود الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي بسبب الحرب في غزة.
وأبرزت الصحيفة احتجاج جنود الاحتياط والمتقاعدون من الجيش الاسرائيلي والأجهزة الأمنية على الطريق المسدود الذي وصلت إليه استراتيجية حكومة نتنياهو في رسائل مفتوحة نشرت في الصحافة.
وأشارت إلى أنه بداية الاحتجاج كانت من القوات الجوية ثم الضباط البحريين والوحدات المدرعة وقوات المظلات والقوات الخاصة. والآن أيضاً كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد والشين بيت).
واوضحت الصحيفة أنه بات يتحدث آلاف من جنود الاحتياط والمتقاعدين من مختلف فروع الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن، عبر رسائل مفتوحة نشرت في الصحافة، للتنديد بالطريق المسدود الذي وصلت إليه استراتيجية حكومة نتنياهو في الحرب في غزة، وخاصة منذ انتهاء وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار واستئناف العمليات العسكرية.
ويقول النص الذي نشره جنود الاحتياط: "نحن، جنود الاحتياط والطيارون المتقاعدون، نطالب بالعودة الفورية للأسرى، حتى لو كان ذلك على حساب وقف فوري للأعمال العدائية (الحرب الإسرائيلية)".
وأكد الموقعون على أن "الحرب حاليًا تخدم مصالح سياسية وشخصية بالدرجة الأولى، لا مصالح أمنية".
وأضافوا: "كما ثبت سابقًا، لا يمكن إعادة الأسرى سالمين إلا باتفاق [وقف إطلاق النار]، بينما يؤدي الضغط العسكري أساسًا إلى قتل الرهائن وتعريض جنودنا للخطر".
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا يزال 59 أسيرا إسرائيليا، يُعتقد أن 24 منهم ما زالوا على قيد الحياة، محتجزين في غزة.
ونبهت الصحيفة إلى الحصيلة الهائلة من ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية حيث استشهد ما لا يقل عن 1613 فلسطينيًا منذ الانتهاك الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار، ليصل إجمالي عدد الشهداء في غزة إلى أكثر من 51 ألفًا.
رد فعل حكومة نتنياهو
أشارت الصحيفة إلى أن رد فعل حكومة نتنياهو كان غاضبا، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة المحتجين ضد الحرب بأنها “من مجموعة صغيرة من المتطرفين، تمولهم جهات أجنبية بهدف إسقاط الحكومة اليمينية”.
كما ردت القيادة العامة للجيش بشدة، واستدعت الموقعين فرديا لمحاولة ثنيهم، وأعلنت أن من هم في الخدمة قد يتم فصلهم.
يقول غاي بوران، أحد المبادرين إلى الرسالة والبالغ من العمر 69 عاما: “بعض العشرات تراجعوا عن توقيعهم، لكن تم استبدالهم فورا بآخرين”.
وذكرت الصحيفة أن رد الحكومة زاد من الغضب والتضامن بين جنود الاحتياط والمتقاعدين من مختلف الوحدات العسكرية.
يقول بوران: “هناك تأثير كرة الثلج. رد الحكومة خلق وضعا دفع آلافا آخرين للتوقيع. هذا ليس عصيانا، نحن فقط نطالب بحقنا في التعبير. رسالتنا بسيطة، ويجب التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى”.
ورغم أن عدد الموقعين ما يزال محدودا مقارنة بحجم المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال، إلا أن مكانتهم تمنح حركتهم أثرا كبيرا.
يقول عالم الاجتماع ياغيل ليفي من جامعة “أوبن يونيفرسيتي” الإسرائيلية: “من بين الموقعين هناك شخصيات محترمة من الجيش وأجهزة الاستخبارات، وهذا يمنح شرعية للحركة ويُظهر مدى اتساع المعارضة حتى داخل المستويات العليا. إنهم لا يرفضون الخدمة، إنهم يطالبون بإنهاء الحرب”.
واعتبرت صحيفة لوموند أن هذه الحركة لا تؤثر بشكل مباشر على قدرات الجيش، الذي يواصل منذ منتصف مارس/ آذار ضرباته واحتلاله الجزئي لغزة، لكنها تسلط الضوء على وضع جنود الاحتياط، من حيث الثقل السياسي والتداعيات الاجتماعية بعد 18 شهرا من الحرب.
وبهذا الصدد يشير ليفي: “أكثر من 40% من الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا في غزة هم من جنود الاحتياط”.
منعطف محتمل
أبرزت الصحيفة أن العبء الاقتصادي ليس بسيطا أيضا داخل دولة الاحتلال. حيث أظهرت دراسة أُجريت لصالح هيئة التوظيف أن أغلب جنود الاحتياط تعرضوا لخسائر في دخلهم منذ بداية استدعائهم.
وتشير منتديات الدفاع عن الجنود إلى تدهور أوضاع العديد من العائلات بسبب غياب الآباء أو الأمهات، علما أن النساء يشكلن حوالي 20% من جنود الاحتياط.
وفي الأشهر التي تلت 7 أكتوبر 2023، شهد الجيش تدفقا هائلا لجنود الاحتياط -نحو 300 ألف شخص تم استدعاؤهم، نصفهم تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما- لكن الحافز بدأ بالتراجع مع فشل الحكومة في تحقيق أهدافها، خاصة فيما يتعلق بإعادة الأسرى.
ويزداد الوضع حساسية بسبب المشاركة شبه المعدومة للمتدينين اليهود المتشددين (الحريديم) في الحرب، رغم قرار المحكمة العليا في يونيو/حزيران عام 2024 باعتبار إعفائهم من الخدمة العسكرية غير قانوني.
وقد تم إرسال أوامر استدعاء لآلاف الشباب الحريديم في عامي 2024 و2025، لكن بضع مئات منهم فقد استجابوا، رغم أنهم يمثلون اليوم 14% من سكان دولة الاحتلال. وهي نسبة ترتفع باستمرار بسبب معدل الولادة العالي بينهم.
يقول ليفي: “عبء الحرب لا يُحمل على الجميع، والحكومة لا تفعل شيئا حيال ذلك”، معتبرا ذلك تهديدا لنموذج “جيش الشعب”.
ويضيف غاي بوران: “رئيس الوزراء نفسه الذي يتهمنا بعدم الوطنية، يبرم اتفاقا مع هذه الأحزاب لضمان إعفائهم من الخدمة!”، ويأمل مع غيره من المبادرين أن تنتشر هذه النداءات في بقية شرائح المجتمع الإسرائيلي.