لم يبق شيء على حاله في كل شبر على أرض فلسطين وتحت سمائها، فكل ما هو فلسطيني أضحى مستهدفًا من الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد الوجود الفلسطيني في كل مكان.
ففي الضفة الغربية، حيث تمارس سياسة التهجير والتطهير العرقي تحت قوة السلاح، تسعى "إسرائيل" لتنفيذ سياساتها دون أن يزعجها أحد، فتكتم أصوات الضحية، وتمنع فرسان الحقيقة من نقلها للعالم.
فلم تعد إشارة (PRESS) تعني شيئًا لحاملها، ولم تعد مركبات الصحفيين آمنة، ولم يعد للصحفي الحق في التغطية، بل أن من يحمل تلك الشارة على مركبته أو ملابسه، فهو مستهدف أكثر من غيره.
وعلى الرغم من كل الاعتداءات التي كان يتعرض لها الصحفيون قبيل اندلاع حرب الإبادة الجماعية وتطبيق سياسة التهجير والتطهير العرقي بالضفة، إلا أنها تضاعفت بشكل غير مسبوق بعدها، حتى بات الصحفي يتعمد إخفاء هويته في بعض الأحيان "حماية لنفسه".
كل شيء تغيّر..
"كل شيء تغيّر منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر"، هكذا بدأ مصوّر وكالة الأناضول بالضفة هشام أبو شقرة حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، حول واقع الصحفيين وظروف عملهم بالضفة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل.
ويضيف أبو شقرة: "هناك اختلاف كبير للأسوأ في كيفية التعامل مع الصحفيين، ومع مرور الأيام تزدادا التشديدات أكثر فأكثر".
ويوضح: "في السابق كان الجندي يطلب منا المغادرة مثلا من مكان التغطية، الآن يصادر بطاقاتنا الشخصية ونتعرض للاحتجاز لساعات طويلة ويمكن أن تتم مصادرة معداتنا أيضًا".
وفي حال المرور على الحواجز، يتعمد جنود الاحتلال التنكيل بسيارات الصحفيين إذا كانت تحمل إشارة الصحافة، وعن ذلك يقول أبو شقرة: "إذا لاحظ الجندي وجود إشارة الصحافة على السيارة يتم التشديد عليه أكثر من غيره، فاختصارا لا أضعها على مركبتي تجنبًا لاستهدافي بالاحتجاز أو التنكيل بأي شكل".
ويشير أبو شقرة، لتعرضه للاعتداء خلال تغطيته لمواجهات في بيت لحم جنوب الضفة الغربية، حيث تمت مصادرة الكاميرا منه، بعد التقاطه مشاهد لتصوير جيب إسرائيلي يحترق نتيجة إلقاء قنابل يديوية حارقة.
ويروي لنا: "تمت مصادرة الكاميرا مني وهاتف محمول من زميلي، تمكنت من استعادة الكاميرا لكنهم صادروا الذاكرة التي التقطت بها المشاهد".
ويشير ضيفنا، إلى تعرضهم لاعتداءات كثيرة متشابهة، حيث تتم مصادرة الذاكرة الخاصة بكاميرات المصورين الصحفيين لمنعهم من نقل الحقيقة، إضافة لمضايقات أخرى، كصعوبة الوصول للمكان الاحتجاز لعدة ساعات، وكيل الشتائم بحقهم من قبل جنود الاحتلال، حتى على الزميلات يتعرضن لنفس الشيء، فالكل مستهدف.
منع التغطية..
ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي واستمراره في مخيمات شمال الضفة الغربية، تصاعدت الاعتداءات على الصحفيين لمنعهم من نقل حقيقة ما يجري هناك.
وعن ذلك يحدثنا مصور قناة رؤيا محمود فوزي: "بعد الحرب يختلف عما قبل الحرب، الاعتداءات تصاعدت بشكل كبير على الصحفيين، وتعرضنا لاعتداءات كثيرة خاصة خلال تغطيتنا لما يحصل في مخيمات الضفة".
وعن بعض ما تعرض له يقول فوزي لـ "وكالة سند للأنباء": "تعرضت لاعتداء رفقة زملائي خلال تغطيتنا للأحداث في مخيم طولكرم حيث جاء الجندي ووضع يده على الكاميرا وأمسكني ومنعني من التصوير وأجبرنا على مغادرة المكان".
ويسرد لنا: "في الاقتحام الذي شهده مخيم العين في نابلس مؤخرًا تعرضنا لإطلاق نار بشكل مباشر باتجاهنا أنا وزملائي المصورين، مع العلم أننا كنا بعيدين عن مكان تواجد الجيش ونصور من منطقة يفترض أنها آمنة لكن الاستهداف كان واضحًا ومتعمدًا".
ويشير فوزي إلى استهداف الصحفيين على الحواجز الفاصلة بين مدن وبلدات الضفة الغربية، ويقول: "إذا كانت السيارة تحمل إشارة الصحافة فأنت معرّض للاحتجاز لعدة ساعات، وتفتيش المركبة، كنا بالسابق نستطيع التصوير على الحواجز، لكن الآن نمنع من ذلك ونتعرض للاعتداء أيضًا".
جنين.. الصورة ممنوعة
وسط الدمار الكبير الذي حلّ بمخيم جنين، يجد الصحفيون أنفسهم بمواجهة حقيقية مع جنود الاحتلال، الذين باتوا يتربصون للصحفيين ويتعمدون استهدافهم والتضييق عليهم.
وعن ذلك تحدثنا مراسلة قناة العالم راية عروق: "إذا كنت صحفيًا فأنت مستهدف، جنود الاحتلال يتعمدون استهدافنا بشكل مباشر، ويحاولون منعنا من التغطية في كثير من الأحيان".
وتعرضت الصحفية "عروق" قبل يومين، لإطلاق مباشر لقنابل الغاز السام اتجاهها رفقة المصور محمد عبد الخالق، أثناء تواجدهما أمام أحد مداخل مخيم جنين لتغطية عدوان الاحتلال على المخيم.
حيث منعت قوات الاحتلال الطواقم الصحفية من الدخول إلى المخيم أو الاقتراب من أطرافه، للتغطية ونقل صور الدمار في المنازل والمباني وممتلكات المواطنين.
وتقول عروق لـ "وكالة سند للأنباء": "من المعروف أن درع الصحافة يحمي الصحفي ويظهر هويته أثناء التغطية لحمايته، لكن للأسف بات هذا الزي سببًا لاستهدافنا".
وتشير عروق، إلى أنها تضطر أحيانًا لتغطية بعض الأحداث دون ارتداء زي الصحافة، وتوضح: "جنود الاحتلال يتعمدون استهداف الصحفيين بشكل ملاحظ وكبير جدًا".
وتروي أحد المواقف التي تعرضت له: "كنت في تغطية مع زملائي وكانوا يرتدون زي الصحافة، وأنا لم أكن أرتديه، هم تعرضوا للاعتداء والتنكيل وأنا نجوت".
وتضيف عروق أن التغطية في مخيم جنين ومحيطه محفوفة بالمخاطر، نظرًا لتواجد جيش الاحتلال ضمن عدوانه المستمر منذ شهور، مشيرة لمنع الصحفيين من دخول المخيم وفرض قيود على حركتهم ومنعهم من التغطية.
وفي تصريح سابق، قال نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر، لـ "وكالة سند للأنباء" إن عدد شهداء الصحافة وقطاع الإعلام الفلسطيني بلغ 209 صحفيين، 208 في قظاع غزة بينهم 28 صحفية، وشهيد في مدينة طولكرم بالضفة الغربية، منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023.
وأشار أبو بكر إلى أن الاحتلال دمّر وأغلق 115 مؤسسة إعلامية في قطاع غزة والضفة الغربية.
وقال منتدى الإعلاميين الفلسطينيين إن أكثر من 60 صحفياً فلسطينياً يقبعون -حاليا- في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يتهددهم الخطر بسبب ممارسات الاحتلال الوحشية بحق الأسرى.
وبين المنتدى في بيان سابق له، أن الصحفيين الأسرى يتعرضون في سجون الاحتلال لشتى أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، وفق شهادات العديد من الصحفيين الذين تحرروا مؤخراً، وإفادات بعض المحامين والمؤسسات الحقوقية التي تمكنت من زيارة بعض سجون الاحتلال.
وأكد أن اعتقال الصحفيين يشكل انتهاكاً صارخاً لكافة المواثيق والقوانين الدولية التي تكفل حرية الصحافة والتعبير، وهو جزء من سياسات ممنهجة تهدف إلى إسكات الصوت الفلسطيني وقمع الحقيقة، "حيث تعرض العشرات منهم للاعتقال الإداري الجائر، والمحاكمات غير العادلة، والتعذيب الجسدي والنفسي".