الساعة 00:00 م
الأحد 05 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

"سند" تحاور الإعلامي محمد كريشان

حوار “كريشان”.. حياة ومهنة وأسرار لا يعرفها أحد

حجم الخط
كريشان1.jpg
الدوحة-غزة / حاورته إيمان شبير

منذ نعومة أظافره، عندما كان في المرحلة الابتدائية، تمنّى ببراءة طفل أن يكون يومًا شخصيّةً معروفة تحديدًا في مجال الإعلام، وعند عمر السادسة عشر حاول أن يخطو أول خطواته على الطريق، فعبّر عن رأيه بقضية ما، وأرسل الورقة إلى جريدة بلاده اليومية الرسمية، ليتفاجئ بنشر المقال مختوم باسم "محمد كريشان- تلميذ".

عبر ما يزيد عن 27 عامًا عِمل خلالها بالصحافة، صنع الإعلامي التونسي محمد كريشان بصمة فارقة على الشاشة، إذ عُرف بحضوره القويّ وفصاحة لسانه، اقترن اسمه بفلسطين لشدة حُبّه لها ومناصرته لحقوق الفلسطينيين، إلى أن أصبح يُشار إليه بالبنان في منصة الجزيرة الإعلامية.

عُرِف بهيبةِ حضورِه الإعلامي عبر شاشة الجزيرة، خاصة في برنامجه السياسي "سيناريوهات"، فالحديثُ مع شخصيةٍ تهتمُّ بوضع "ربطةُ العنق" بمنتهى الرسمية ليس سهلًا أن تكتشف أعماقه.

وفي هذه المادة حاورت "وكالة سند للأنباء" "كريشان" عبر الهاتف من مكان إقامته في العاصمة القطرية الدوحة، لنتعرف معًا على محطاتٍ خفية من حياته الشخصية والإعلامية.

محمد كريشان (62 عامًا) نشأ في مدينةِ "صفاقس"، التي تقعُ على خليج قابس المتفرع من البحر الأبيض المتوسط غرب تونس، وعاش طفولته في بيئةٍ سياسيةٍ جعلته متابعًا للصحف والإذاعات.

ينبش "كريشان" ذاكرته في مستهل حديثه معنا، ليتحدث عن طفولته: "كنت إلى حدٍ ما طفلًا مشاغبًا، لكن ليس متمردًا ما جعلني محبوبًا وسط عائلتي، والدي كان طيبًا للغاية ويعتمد في تربيته على اللين والإقناع".

أما والدته فهي شخصية حنونة لكنّ شديدة، يقول: "هذا المزيج جعل محمد يعيش في بيئةٍ منضبطة بالإقناع والقدوة الحسنة، وليست منضبطة بالترهيب بالخوف من العصا، بمعنى آخر كبرت بلا عُقد، واجتهدت في نقل هذه التربية إلى أبنائي".

إذن بيئة سياسية تحمِل همّ القضايا الوطنية والعربية، فضلًا عن أنها تربوية بامتياز كما يصفها ابنها البار بصوتٍ ممتن، "هذا كُله أثر بطريقة ما على طريقة تفكيري، واختياري لتخصصي الجامعي، فبعد حصولي على شهادة الثانوية العامة؛ انتقلت لدراسة الصحافة وعلوم الأخبار في الجامعة التونسية".

بداية الطريق 

كان واضحًا أن "كريشان" وحضوره الإعلامي لم يكن صدفةً، فإيمانه بقدراته منذ الصغر قاده لأن يكون شخصية معروفة يُقتدى به الجميع.

تلك الثقة ذاتها التي جعلته أن يُشارك في صحيفةٍ تونسيةٍ رغم صغر سنه آنذاك، يُحدثنا: "عندما كان عمري 16 عامًا أخذتُ ورقة وقلم، وعبّرتُ عن رأيي في قضيةٍ ما، ثم أرسلتها إلى "جريدة الصباح" وهي الجريدة اليومية الأولى في تونس، لم أتوقع النشر، لكنّ نُشر ما كتبته وأسفل المقال مكتوب "محمد كريشان- تلميذ". 

ما هو شعورك الأول؟ بدا الفرح واضحًا في نبرته عند الإجابة: "لا أُخفيكِ رقصتُ فرحًا، وكان بالنسبة لي حدثًا رائعًا، ويُمكن اعتبارها الدمغة الأولى في مهنة الإعلام".

وعندما انطلق فعليًا للعمل الإعلامي بعد تخرجه من الجامعة، عمل ضمن فريق تلفزيون الـ BBC العربي عام 1994م في لندن، لكنه توقف عام 1996م، يعني قبل انطلاق الجزيرة، فهي كانت في هذه السنة طور الإنشاء.

اضطر "ضيف سند" القدوم إلى الدوحة، بعد إغلاق قناة الـ BBC أغلقت، وانخرط بالعمل في قناة الجزيرة ولكن سرعان ما تخلص من شعور "مَن جاء مرغمًا يعني لم يكن خياره الجزيرة".

ويُتابع "حقيقةً البدايات في الجزيرة كانت جميلة وقوية، والتدريب كان مفعمًا بالشغف والحياة والعمل الدؤوب، ما غيّر فكرتي عن القناة، ثم انخرطت سريعًا بالجو العام".

اسم مقرون بفلسطين

لطالما ارتبط اسم محمد كريشان بالقضية الفلسطينية، إلى أن أصبح البعض يعتقد أنه فلسطيني الجنسية، لكنّ يُعزي هذا الحبّ إلى علاقة أي "تونسي حُر بفلسطين" التي تعتبر قبلة الروح على مر الزمان.

يقول "كريشان"، أنا فعلًا ممتن لهذه التنشئة الفلسطينية؛ لأن والدي -رحمة الله عليه- كان طيبًا للغاية وكان يعشق فلسطين، وكان يعتمد في تربيته على صفاتهم اللين والإقناع والابتسامة ولم يكن عنيفًا أو جبارًا أو مخيفًا".

ويضيف بكلماتٍ تصف حبه لفلسطين: " فلسطين هي الحب، وأنا نشأت على حبها وما زلت متابعًا لها رغم كل المرارات في السنوات الماضية وخاصةً الانقسام بين فتح وحماس.

وعن زيارته لفلسطين: "أنا زرت فلسطين 6 أو 7 مرات في عمل صحفي، سواء لتغطية انتخابات أو لتغطية ذكرى النكبة، فبالتالي جاءت لي الفرصة أن أطأ أرض فلسطين، سواء فلسطين التاريخية 48 أو الضفة الغربية أو غزة".

محمد كريشان.jpg

خلف الكواليس

خلف كُلّ عملٍ جميل عبر الشاشات، ثمة كواليس لم نرها، يقول "كريشان"، في العمل التلفزيوني ما لا يراه المشاهد قد يكون أهم بكثير مما يراه، يعني خلف كل برنامج، خلف كل نشرة، خلف كل برنامج جيش من الفنيين في الإضاءة، التصوير، الصوت، الإخراج في تحديد الكاميرات..".

ويؤكد "كريشان"، إن كل من يعملون مع المذيع جديرون بالاحترام والتقدير بالعكس هو أقل واحد فيهم، يُمكن أن يخطئ، يُمكن أن يفسد كل البرنامج، هذا إذا انقطع الصوت، أو انقطعت الإضاءة، أو الكاميرات أخذت لقطة غير مناسبة، هذا كله له دور كبير، فبالتالي كل المذيعين يجب أن يكونوا ممتنين لهؤلاء الذين يعملون معهم من الفنيين المختلفين".

المذيع دائمًا يرتدي عباءة عمله، ومن الصعب جدًّا أن ينزعها عند عودته إلى منزله، يقول "كريشان"، نزع هذه العباءة ليس صعبًا ولكنه قد يكون أحيانًا صعبًا للغاية في الفترات المتأزمة إخباريًا، مثل أوقات الحروب، والأزمات الكبرى، يعني قد يستغرق منك نزع هذه العباءة الكثير؛ لأنه عندما تعود إلى البيت بعد تغطية لساعات قصف ومجازر وبراميل ومآسي إنسانية وأطفال ومشردين ونساء وشيوخ، من الصعب أن تستعيد ابتسامتك لمجرد دخولك إلى البيت وكأنك ضغطت على زر آخر وأصبحت في مزاجٍ آخر.

ويتابع تجربته، ربما نزع عباءة العمل خفّت معي أنا شخصيًا؛ لأني ابتعدت عن الأخبار لثلاث سنوات تقريبًا أو أكثر قليلًا، أصبحتُ أقدم فقط برنامجي الأسبوعي "سيناريوهات"، يعني لم أعد منغمسًا بالطريقة التي كنت فيها عندما كنت أقدم الأخبار على رأس الساعة وباستمرار ولثلاثة أو أربعة أيام.
 

ما لا نعرفه عن كريشان

حول أسلوبه في الاندماج يستطرد "كريشان"، ربما ما لا يعرفه الكثيرون أن لدي جانبين في شخصيتي ربما ليسا معروفين بشكلٍ كبير، فأنا أحب المرح كثيرًا ولكني جدي أيضًا كثيرًا". 

وبنبرةٍ من الفرح يُتابع، أنا ضحوك وأحب المرح، والاستماع إلى القصص الطريفة، ولدي ضجة مجلجلة صارخة أحيانًا أضحكها في غرفة الأخبار فيسارعون إلى تنبيهي لأن هناك شيء على الهواء.

ويكشف لنا عن شخصيته في العمل قائلًا، الجانب الجدي جدًا فيما يتعلق بالانضباط في العمل، أنا لا أحب الدخول إلى الاستديو إلا قبل وقت كافٍ، والتأكد من كل شيء من الكاميرا، والأوراق، والمخرج، وفني الصوت، وفني الأوتوكيو، فأنا صارم جدًا في العمل، لا أرحم، وأحيانًا أكون قاسٍ في ملاحظاتي على الفريق الذي يعمل معي، معتقدًا أنه جزء من عمل المذيع أن يكون منضبطًا يحترم الوقت ويحترم الفريق الذي يعمل معه، ويريدهم جميعًا أن يحترموا العمل".


في الموسيقى حياة أخرى نُحلِّق معها في عالمٍ سرمدي، فوحدها المقطوعات الموسيقية تصون ملامح أرواحنا حينما تُحاصرنا الذكريات. بمنتهى الفرح يُتابع "كريشان" حديثه الشائق: " الحقيقة قصتي مع العود قصة طريفة، لا أدري ما سبب أني أحببت العود دون أن أذهب لأتعلمه".

ويسرد بابتسامةٍ تُعيدنا للزمنِ الجميل:" أنا أحب نوع معين من الموسيقى، أحب الموسيقى الطربية، والموشحات، والقدود الحلبية، وأم كلثوم، ومحمد عبد المطلب، وعبد الوهاب، ووديع الصافي، أحب الأصوات الطربية، والإيقاع السريع والكلمات الخفيفة منها".


ويختم "كريشان" بكلماتٍ من ذهب، مَن دخل عالم الإذاعة والتلفزيون ولم يمر بالصحافة المكتوبة ينقصه الكثير والكثير؛ لأنه صعب أن تأتِ الآن إلى صحفي في التلفزيون أو مذيع وتطلب منه أن يكتب مقالًا ولا يستطيع؛ ولكن مَن بدأ بالصحافة المكتوبة وتدرج حتى وصل إلى التليفزيون؛ سيكون لديه زادًا لا يمتلكه بقية الزملاء، وإن كانوا بالطبع يمتلكون مهارات أخرى جميلة ولكن الصحافة المكتوبة هي الأساس وقبل صحافة الوكالات ربما هي أكثر قوة وتأثيرًا حتى من الصحافة المكتوبة".