الساعة 00:00 م
الإثنين 06 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

بالصور "فؤاد جعرور" أسير من السبعينات يحمل جبالاً من الذكريات

حجم الخط
الأسير المحرر فؤاد جعررو
أحلام عبدالله-غزة-وكالة سند للأنباء

لم يكن من السهل نَكْءُ جرحٍ قديم، ونَبْشُ ذكريات أسير في سجون الاحتلال لم يتردد بسرد ما عاشه من ويلات خلال مكوثه 12 عامًا في الأسر، قبل أن يبزغ فجر الحرية في صفقة تبادل في ثمانينات القرن الماضي، وينجو من حكم بالمؤبد.

رحلة عذاب عاشها الأسير المحرر فؤاد نمر جعرور (71 عامًا)، سعينا لإرسائها في سطور قليلة، لكنها تختزل تفاصيل لم تمحَ يومًا من ذاكرته، كيف لا! وهو من فَقَدَ قدمه بعد خروجه من السجن نتيجة حقنه بمادة غير معروفة، أدت لتلف فيها وبترها.

وخاض ضيفنا، خلال اعتقاله تجربة الإضراب عن الطعام، ليحدثنا عن شكل الإضراب حينها وكيف كانت إدارة السجون تواجه الأسرى خلاله، حتى يصل الأمر لاستشهاد عدد من الأسرى في ذلك الوقت.

وعن بداية الحكاية، يحدثنا "جعرور" عن أصوله، التي تنحدر من قرية المحرقة قضاء غزة، والتحاقه منذ نعومة أظفاره في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، ويقول: "منذ الطفولة سلكت طريق المقاومة واتخذت من الحجارة سلاحا".

"وقبل أن أتم السابعة عشرة، كنت مقاتلا في حركة "فتح"، واعتقلت من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1973، بتهمة مشاركتي بـإلقاء قنبلة يدوية على دورية عسكرية إسرائيلية بغزة" يقول المحرر.

ويشير خلال حديثه لـ"وكالة سند للأنباء" إلى تعرضه لأصناف عديدة من التعذيب الجسدي والنفسي في زنازين سجن غزة المركزي في ظل البرد القارس، مضيفًا: "كانوا يجردوني من ملابسي الثقيلة لأتلقى موجات البرد العاتية".

ويستطرد: "كانت تتواصل جولات التحقيق لساعات طويلة، تتوالى الأسئلة المصحوبة بالضربات على أماكن متفرقة في جسدي، لدرجة أنني في بعض الأوقات لم أكن أميز الليل عن النهار".

يسترسل في سرد المشاهد التي لم يَنْسَها رغم مرور سنوات طويلة: ""كانوا يحرموني من النوم والراحة، وفي في بعض الأحيان يلقون بي داخل زنزانة صغيرة، أشبه بالثلاجة وكانت تسمى "الأكس"، وهي معدومة التهوية والإنارة ولا يوجد بها مرحاض".

298192832_458073156263726_3511246564964296075_n.jpg
 

تعذيب وأوجاع..

وتعرض "جعرور" خلال فترة التحقيق للضرب المبرح على أذنه اليسرى، ونتيجة لذلك أُصيب بضعف السمع فيها، كما عانى من ألم في الفك السفلي، ما اضطره لخلع بعض أسنانه بعد الإفراج كونها تحركت من مكانها نتيجة الضرب.

"بعد كل هذه الفظاظة التي كنت أتجشمها؛ ليس بالغريب أن يتم منعي من تناول الطعام أو شرب المياه، مع استمرار الضغط والأسئلة المتواصلة لانتزاع الاعتراف مني" يقول "جعرور".

ويلفت: "كان يتم محاولة التجسس عليّ وانتزاع الاعتراف بواسطة العصافير الذين يتحدثون اللغة العربية ويتلون القرآن والأحاديث النبوية".

هذه الظروف المضنية دفعت "جعرور" لعدم الثقة في أي شخص، والتيقظ حيال "العصافير" الذي كشف بعضهم مندسين داخل الأسرى بعد انتهاء فترة التحقيق.

أما عن مستلزمات الأسرى، فيشير إلى أن "الكانتين" كما يُطلِقُ عليه الأسرى _وهو بقالة صغيرة- فكان يقتصر على بيع الدخان والشاي والقهوة والبسكويت والسكر، وتكون المشتريات فيه بأسعار مرتفعة مقارنة بأسعارها في الخارج" وفق "جعرور.

ومنذ العام 1967 حتى 1994 كان الأسرى يتلقون مصروفاً من منظمة التحرير بقيمة 50 ديناراً للأسير الواحد، يصرف كل دينار بثلاثة شواكل.

وكانت إدارة السجون تقدم لهم بعض اللوازم والأغطية الشتوية، أما اليوم فيُطلَب من الأسرى توفيرها على حسابهم الشخصي من الكانتين.

في حين يعاني الأسرى حاليا من أزمة كبيرة بسبب البرد في الشتاء وغياب مصادر للتدفئة، كما ترفض إدارة السجون إدخال الأغطية وتوفيرها للشراء داخل السجون.

وطرح ضيف سند مقارنة بين حال الأسرى قبل اتفاقية أوسلو وما بعدها، ويقول: "كان لدى الأسرى بعض الحقوق قبل اتفاقية أوسلو، وبعدها لم يعد لهم منها شيء، حتى أصبح الأسير الفلسطيني يعيش داخل السجن على حسابه، ويوفر على مصلحة السجون الكثير من حقوقه ولوازمه".

الإضراب عن الطعام

296406352_588001582769338_2194608993917540878_n.jpg
 

12 عامًا عاشها "جعرور" خلف قضبان الأسر، خاض خلالها إضرابًا عن الطعام مع رفاقه الأسرى، ليرجع الآن بذاكرته لتلك الأيام "القاسية"، ويقول: "الساعات والأيام الأولى للإضراب كانت الأصعب والأقسى التي يعيشها الأسرى".

ويردف "حالات التعب والإرهاق الناتجة تظهر واضحة على الأسرى نتيجة قلة الطعام، واستغلال أطباء السجون والممرضين ضعف الأسرى لمساومتهم على فك الإضراب مقابل تقديم العلاج لهم".

وعن المسموح والممنوع خلال فترة الإضراب يوضح: "كان البسكويت أو الخبز الجاف هو الوجبة الوحيدة التي يتناولها الأسرى أثناء الإضرابات، ويسمح بالقهوة بمعدل مرتين للقهوة بالأسبوع، وكأسين من الشاي يومياً".

ويكشف "جعرور" عن هجمات إدارات السجون على الأسرى المضربين، أبرزها الاقتحام الجماعي لغرف الأسرى، ومصادرة احتياجات ومعدات الأسرى جميعها، عدا عن محاولات إطعام الأسرى بالإجبار، الأمر الذي أدى لاستشهاد عدد منهم".

وخاض الأسرى في السجون الإسرائيلية عدة إضرابات مطلبية جماعية وفردية لتحسين ظروفهم الاعتقالية، بينها إضراب سجن عسقلان عام 1970 والذي استشهد فيه الأسير عبد القادر أبو الفحم، وإضراب نفحة عام 1980 الذي استشهد إثره ثلاثة أسرى.

ونجح إضراب عام 1970 بتحقيق مطالب الأسرى حينها، حيث سمح الاحتلال بإدخال القرطاسية، وتحسين نوعية الطعام، واستبدال الفرشات المهترئة وإدخال الصحف.

وكان شهر أيار/مايو1985 محطة فارقة في حياة الأسير "جعرور" ورفاقه بعد أن أمضى 12 عاما في سجون الاحتلال، حيث نجحت الجبهة الشعبية-القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، في إطلاق سراح 1150 أسيرًا فلسطينيًا ولبنانيًا وعددا من الأسرى العرب مقابل الإفراج عن ثلاثة جنود إسرائيليين أسرتهم الجبهة في لبنان.

وعن فرحته بتحقيق حلمه بالحرية هو ورفاقه يتحدث "جعرور": "علمنا بوجود صفقة لتبادل الأسرى عرفت حينها باسم صفقة الجليل، ففرحنا كثيرا خصوصا نحن أصحاب المؤبدات".

ويتابع: "سمعت اسمي عبر ميكرفون السجن، وعند الإفراج عني خيروني بين الذهاب لغزة، أو الذهاب للخارج فقررت الذهاب لغزة".

ورغم الفرحة التي عمّت السجون وقولب الأسرى، إلا أن فرحة ضيفنا كانت منقوصة، فقد توفي والده وهو داخل الأسر، كما أن تركه لبقية الأسرى رفاقه داخل السجن كان ألمًا ينغص فرحتهم، حسب قوله.

وبعد أن أمضى 12 سنة في الاعتقال، تنسم الأسير "جعرور" الحرية، ولكنه لم يعرف طريق العودة حينها وبدا مصدوما من حجم العمران الذي شهدته مدينته.

ولم تنته معاناة "جعرور" بعد مغادرته ظلمات السجن، فآلام التحقيق ظلّت تلازمه، واستمرت الآلام في قدمه اليسرى التي عانى منها طيلة فترة الاعتقال، فوجد الأطباء انسدادا بالشرايين نتيجة إبرة مجهولة حقنه بها الاحتلال، ما أدى إلى بتر قدمه.

ويختم ضيف سند حديثه بالقول: "وأنا لستُ مكسور الجناح حتى أعجزَ عن التحليق من جديد".

296263398_428606065986613_9095180885737300835_n.jpg