الساعة 00:00 م
الجمعة 29 مارس 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.62 جنيه إسترليني
5.17 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.95 يورو
3.66 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"أي وصف لن يعبر عمّا عشناه".. شهادة مروّعة على إبادة غزة ترويها نور حميد

تاريخ نضالي تزيّن بـ 287 شهيدًا..

قباطية.. حاضنة الثوار والبلدة "المزعجة" للاحتلال

حجم الخط
جنين
جنين- لبابة ذوقان-وكالة سند للأنباء

بصلابة الصخر الذي اشتهرت به، وببأس الثوار الذين احتضنتهم وأثخنوا في المحتلين على مرّ السنوات، صُقلت نفوس أهالي بلدة قباطية جنوب غرب مدينة جنين، شمال الضفة الغربية، فمنها خرجت أولى محاولات استهداف لحاكم العسكري إبان الانتداب البريطاني، وعلى ثراها اجتمع الثوار على مدار سنوات النضال، حتى أنها وصفت في الإعلام الإسرائيلي خلال الانتفاضات بـ "البلدة المزعجة".

حياة ليست بالسهلة يعيشها أهالي قباطية، كيف لا! وهم يحفرون الصخر ويعاندون قسوته ليشكلوه حجارة تعد من أشهر حجارة فلسطين، لتكون صلابتهم أمام الاحتلال مصدر خوف وخشية من تململ البلدة، التي يخشى أن تكون "مخيم جنين 2".

وتعد بلدة قباطية من أكبر بلدات محافظة جنين من حيث المساحة وعدد السكان، حيث تقدّر مساحة أراضيها بـ 66 ألف دونم، أما عدد سكانها فيصل لـ 33 ألف نسمة تقريبًا، وتبعد عن مدينة جنين 5 كم.

328960304_1415186575885333_2238778338924480628_n.jpg
 

وشهدت البلدة خلال الأسابيع الماضية، حملة مداهمات واسعة طالت عشرات المنازل، وسط حالة من التخريب والتهديد واستدعاءات لعدد من الشبان، وذلك امتداد لحالة الاستهداف المتواصل للبلدة، بهدف وأد أي فعل نضالي فيها.

"قلعة الثوار.. وعرين الأحرار"..

عند الحديث عن قباطية، كان لا بد من لقاء مع المؤرخ جمال حبش، أحد أكثر الأشخاص معرفة بتاريخها وتفاصيلها، وصاحب موسوعة "قباطية.. قلعة الثوار وعرين الأحرار"، التي يعكف على إعدادها منذ سبع سنوات، ليشمل بها تفاصيل البلدة وتاريخها النضالي.

وبينما كان ضيفنا غارقًا بين أوراقه وكتبه التي يخصص لها ساعات المساء الطويلة، اقتطعنا وقته ليسرد لنا شيئًا مما حوته موسوعته المكوّنة من ثلاثة أجزاء.

يبدأ المؤرخ حديثه بالقول: "أعتز ببلدتي قباطية وتاريخها النضالي، وعندما لمست عدم معرفة الجيل الجديد شيئا عن ماضي البلدة، بدأت مشوار البحث وإعداد الموسوعة، ليكون تاريخ البلدة محفوظًا لدى الأجيال القادمة، وكان ذلك عام 2015".

وعن أبرز المحطات النضالية التي عاشتها قباطية، يحدثنا: "تاريخ البلدة يعج بالأحداث والوقائع النضالية، ففيها كانت أول محاولة اغتيال سياسي في فلسطين عام 1929، وأول عملية اغتيال لحاكم عسكري بريطاني عام 1937، وفي عام 1938 تم اغتيال حاكم اللواء الشمالي وهو أشبه بوالي بريطاني، وهناك تقديرات بريطانية تشير إلى أن بريطانيا اضطرت أن تعقد اجتماع المائدة المستديرة ببريطانيا على خلفية تلك العملية".

ووثق "حبش" في موسوعته حرب الـ67، إضافة لفترة وجود الرئيس الراحل ياسر عرفات في قواعد الثوار في قباطية عام 1967، حيث كانت تضم البلدة قاعدتين من أصل أربع قواعد للثوار، وفق قوله.

ياسر عرفات.jpeg
 

ويضيف:"في معركة الكرامة كان لقباطية وشبابها دورًا مهمًا، كما أن عملية ميونخ عام 1972 التي قتل فيها 11 إسرائيليا، كان بطلها من قباطية، وخلال الانتفاضتين عرفت البلدة بنضالها وتضحيات أبنائها وثورتها، وعند بحثي في المصادر الإسرائيلية، فقد كانت تسمى قباطية "القلعة العصية على الكسر"، ويكتبون عنها "تلك البلد المتعبة أو المزعجة".

وبنبرة الفخر يتابع:"كل تلك الدلالات تشير لقوة الروح الوطنية المتجذرة بهذه البلدة، التي قدمت 287 شهيدًا وشخصية وطنية منذ عام 1917 وحتى اليوم".

ووثّق المؤرخ المعلومات في موسوعته بثلاثة أجزاء، الجزء الأول منها يتكون من 700 صفحة، ويتناول تاريخ قباطية الإداري والاقتصادي والتاريخي، في حين احتضن الجزء الثاني تاريخ البلدة النضالي من الحروب الصليبية وحتى عام 1987، في 500 صفحة.

أما الجزء الثالث، فقد ضم شهداء قباطية وتاريخها النضالي منذ 1988-2022، ويعقّب: "كنت قد أنهيت الموسوعة في 31 كانون أول/ ديسمبر 2022، لكن مع ارتقاء شهيدين من البلدة بداية هذا العام، سأضطر لإكمالها حتى عام 2023".

وفي 12 كانون الثاني/ يناير الجاري، زفّت قباطية الشهيدين حبيب الله كميل وعبد الهادي نزال، بعد إصابتهما خلال مواجهات أعقبت اقتحام قوات الاحتلال للبلدة.

صلابة الحجَر..!

الكاتب والباحث ثامر سباعنة من بلدة قباطية، يربط المواجهة التي تشهدها قباطية مع قوات الاحتلال، بالبيئة التي يعيشها أهل البلدة، ويوضح:"قباطية بلدة جبلية وأهلها يعملون بالمحاجر، وهو ما يعطي انطباعًا عن عقلية وتفكير أهل البلد من ناحية العناد والصلابة والمواجهة مع الاحتلال".

ويسترجع "سباعنة" دور أهالي قباطية في الثورة الفلسطينية، ويقول: "كان أبو عمار مع الثوار في مغر قباطية، وكان أهل البلد يقدمون له المساعدة والطعام، وعلى مرّ سنوات النضال، آوت قباطية العديد من القادة والمطاردين كالشهداء يحيى عياش وجمال أبو الهيجا ومحمود أبو هنود، إضافة لجماعات سرايا القدس ومطاردي حركة فتح وغيرهم".

"الأسد النائم"..

وبرز اسم قباطية خلال هبة السكاكين التي اندلعت عام 2015، حيث نفذ العديد من شبانها عمليات طعن، منهم من استشهد ومنهم من اعتقل، وعن ذلك يحدثنا "سباعنة": "في هبة السكاكين والوضع الحالي، لا تغيب قباطية ويكون لها الأثر الكبير، والاحتلال يتكلم دائما عنها ويطلق عليها "الأسد النائم".

أما عن حالة الاستهداف الدائم للبلدة من خلال الاقتحامات والاعتقالات، فيقول ضيفنا: "الاحتلال يدرك أن الوضع الحالي في قباطية يمكن أن يتدحرج للأسوأ، ففي الأسبوع الماضي شنّت قوات الاحتلال على مدار يومين متتاليين عمليات مداهمة لمنازل أسرى محررين وناشطين وشبان في البلدة، شملت نحو 40 منزلًا".

327024898_921496832345210_7838538360525443403_n.jpg
 

ويضيف: "الاحتلال يحاول إيقاف حالة المقاومة التي تنمو في قباطية، ولا يريد أن يصل لمراحل سابقة من حيث المقاومة وتقديم الشهداء وتنظيم العمليات، لذلك يسعى لوأدها في بدايتها من خلال عمليات الاعتقال والاقتحامات والتهديد".

ويصف "ضيف سند" حالة الغضب التي يراها في وجوه الشبان في بلدته، ويقول: "في جنازات الشهداء نرى حالة الغضب والبحث عن الانتقام، والاحتلال يدرك هذا الأمر، ويخشى من تدحرج الأمور وتصاعدها".

وتشهد البلدة اشتباكات مسلحة ومواجهات بالحجارة فور اقتحام قوات الاحتلال للبلدة، وعن تلك المشاهد يحدثنا "سباعنة": "بمجرد بداية الاقتحام بعد منتصف الليل، يكون مئات الشبان في الشوارع، يضعون الحواجز أمام جيبات الاحتلال ويلقون الحجارة والقنابل الحارقة إضافة للاشتباكات المسلحة، تستغرب كيف أنهم على أهبة الاستعداد حتى في ساعات الليل المتأخرة".

ويكمل:"الاحتلال يخشى من هذه المظاهر، خاصة وأننا نتحدث عن بلدة كبيرة كقباطية يصل عدد سكانها لأكثر من 30 ألف نسمة، ويخشى أن تكون قباطية صورة ثانية لمخيم جنين، لذلك هو يقوم بهذه الممارسات والانتهاكات لقتل الفكرة من بداياتها".

صناعة الحجر والزراعة..

وتشتهر بلدة قباطية بصناعة الحجر، حيث تعد جبالها الصخرية مصدرًا للحجر في فلسطين، ما يتيح فرص عمل لأهالي البلدة في منشآت الحجر والمخارط ومحال الشايش، إضافة لمقالع الأحجار، وقطاع النقل الخاص بها، وغيرها من المهن ذات العلاقة.

ويشير مسؤول العلاقات العامة في بلدية قباطية شادي زكارنة، إلى أن غالبية أهالي البلدة يعتمدون في معيشتهم على صناعة الحجر والزراعة.

ويضيف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء: "مساحة الأراضي الزراعية في البلدة كبيرة، وهو ما يوفر فرصًا للأيدي العاملة إلى جانب قطاع الحجر".

كما تضم قباطية أحد أكبر الأسواق المركزية للخضار في الضفة الغربية، ويعد مصدرًا للأسواق في جميع المدن إضافة للداخل المحتل، وفق زكارنة.

أما عن المواجهة المستمرة مع الاحتلال، فيحكي: "قباطية لها طابع خاص على مدار التاريخ، ولها بصمة واضحة ورأس حربة في الانتفاضتين، واليوم كسائر الشعب الفلسطيني تتعرض لاقتحامات ومداهمات شبه يومية، في محاولة للنيل من صمودها ومواجهتها للاحتلال".