الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

معاناة الفلسطينيين تتفاقم في ظل غياب نظام وطني لإدارة الكوارث

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

جرحٌ غائر في قلب شيماء.. مغتربة تعلّقت برؤية عائلتها في غزة لتُفاجأ باستشهادهم

حجم الخط
428316249_909605540631072_332349807118426056_n.jpg
عمان/ غزة -وكالة سند للأنباء

(كلهم ذهبوا.. وبقيت أنا وحدي في غربتي أتجرع الحسرة وألم الفقد)، كم يبدو هذا المصاب صعبًا وقاسيًا على صاحبه، يموت كل الأحبّة دفعةً واحدة في غزة، ويظل الشاهد على المأساة في الحياة وحيدًا، يُنهك قلبه الغياب الأبدي.

في هذا التقرير تحكي شيماء الصواف من العاصمة الأردنية عمّان لمراسلة "وكالة سند للأنباء"، قصّة رحيل 47 فردًا من عائلتها بمدينة غزة على رأسهم والدها الكاتب الصحفي الدكتور مصطفى الصواف، ووالدتها؛ جراء قصفٍ إسرائيلي دمر بيت العائلة الدافئ فوق رؤوس ساكنيه؛ ليصير ومنْ فيه ذكريات مضت، وما أقسى وقعها على قلب المغترب!

تشير شيماء الصواف، إلى أنّ الخوف الذي كان يساورها منذ بدء حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الفائت، شديد وغريب، فهي لم تكن تعرف طعمًا للنوم، تقضي وأطفالها بالساعات أمام شاشات التلفاز، تتلقط الأخبار عما يجري في غزة، لتطمئن عن أهلها وأحوالهم.

وتُضيف أنّ الشهر الأول من الحرب، كانت العائلة لا تزال في منزلهم في حي الشيخ عجلين، وكانت شيماء على تواصل دائم معهم، سواءً عبر الاتصالات الهاتفية، أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا كان يُهوّن عليها بُعد المسافات، ويهدّأ الخوف داخلها ولو قليلًا.

لكن مع تكرار المجازر الإسرائيلية بحق مئات العوائل الآمنة في بيوتها بالقطاع، أصبحت فوبيا الفقد لا تُفارقها، "كنت أخاف أن أنام فاستيقظ على خبر فقدانهم"، تقول هذه الكلمات والغصّة تأكل روحها.

وتتابع حديثها: "أما إذا تعطلت شبكة الاتصالات عن قطاع غزة، وهذا ما حدث أكثر من مرة خلال الشهور الماضية، كنت أدخل في نوبة هستيرية.. هل استشهدوا؟ ما أخبارهم؟ منْ بقي منهم؟" تساؤلات صعبة تفرض نفسها على قلب شيماء الهش، ولا إجابات إلى أنّ تعود الشبكة!

كانت تحرص شيماء على سماع أصوات أفراد عائلتها يوميًا، ولو تطاوعها الظروف ما أغلقت سماعة الهاتف للحظة؛ وفي داخلها شعور مُؤلم "ربما غدًا أشتهى هذه الأصوات ولا أجدها(..) إنه القهر والعجز في أبشع صورهما".

وبعد نحو شهرٍ من الحرب، ولشدة القصف جوًا وبحرًا وبرًا؛ في مناطق غرب غزة، وبعد ليلة وصفتها شيماء بأنها "صعبة جدًا"مرّت على أهلها، قرروا النزوح إلى بيت العائلة في حي التفاح شرق غزة؛ على اعتبار أنها أقل خطرًا من غيرها من الأماكن.

ليلة الرحيل.. كانت الأصعب على قلب شيماء

في يوم الجمعة، تحدثت شيماء مع والدتها عصرًا، وأخبرتها أن الجميع بخير، وأنّ والدها يُهديها السلام، تُخبرنا: "طلبت منها أن أُحدثه لكنها قالت لي أنهم سيصلون جماعة ويعودون للاتصال، وكانت هذه آخر مكالمة بيننا؛ بسبب انقطاع شبكة الاتصال، وغياب الإنترنت عن قطاع غزة".

ظلّت شيماء في دورة التواصل؛ كي تُهدأ شعور الخوف الشديد داخلها، فاتصلت بشقيقيها محمود وأحمد، مردفةً: "كلّمت إخوتي وأطفالهم وزوجاتهم، وتمنيت ألا تنتهي المكالمة لكن الشبكة فُقدت في القطاع".

كل هذه الاتصالات ومحاولات طمأنة شيماء، لم يزيل الخوف عن قلبها، الخوف الذي هاجمها بشكلٍ غريب في ذلك اليوم.

وتُكمل: "حاولت مرارًا وتكرارًا التواصل معهم ولم يُجدِ نفعًا، وفي المساء تواصل أخي منتصر على الإنترنت، وطمأنني أن الجميع بخير، وسوف ينامون مبكراً، وعليّ ألا أقلق إن لم أجده متصلًا، على غير عادته التي يفرضها عليه عمله كمصور".

أمضت شيماء ساعات ليل الـ 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على قنوات الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي، لمتابعة كل الأخبار التي تُغطي غزة عمومًا، وحي التفاح على وجه الخصوص؛ تحكي لنا: "قُصف منزل أهلي، لكنني لم أرَ الخبر إلا بعد الفجر، أُصبت بهلع شديد، ولم يبق رقمًا لإخوتي وأقاربي إلا واتصلت بهم (..) من الفجر وحتى الثامنة والنصف صباحًا وأنا أحاول لكن عبثًا".

بعد كل هذه المحاولات، نجح الاتصال مع ابن عمها تقول: "من شدة بكائه لم أفهم منه شيء، وانقطع الاتصال ولم يعد إلى أن اتصل بي أخي منتصر، وأخبرني بالفاجعة التي أوقعتني بحالة من الحزن والصدمة لا يعلم بها إلا الله".

وتشير ضيفتنا إلى أنّ "عائلتها (باستثناء شقيقيها منتصر ومروان وابن شقيقها الطفل زيد)، وعمها وزوجات أعمامها، وعائلاتهم وأحفادهم وأبناء خالتها، جميعهم استشهدوا في القصف الذي دمر المنزل على رؤوسهم".

وبعد نحو أسبوعين من الحادثة، قصفت طائرة استطلاع إسرائيلية، شقيقيها "منتصر" و"مروان" اللذان يعملان مصوران صحفيان، وارتقيا على الفور، وبقيت "شيماء" وحيدةً في غربتها والحياة تتشرب حسرة الفقد كلها!

ومنذ ذلك الحين، يعيش قلب شيماء الصواف المكلوم، على ضحكات أهلها وأحاديثهم العفوية المخزنة في الرسائل الصوتية على هاتفها، وحين يُهاجمها الشوق والاحتياج لـ "لمّة العائلة" وبهجتها، لا حيلة لها إلا بتقليب الصور الأرشيفية، بذهنٍ شارد إلى كل الذكريات التي تخصّ كل فردٍ منهم على مدار السنين الماضية، (..) أي قلبٍ يحتمل كل هذا الألم؟

وتُختم ضيفتنا حديثها، بالقول: "كنت في زيارة لغزة قبل شهرٍ ونصف من الحرب، ولو كنت أعلم بمجريات العدوان، لما غادرت غزة وتقاسمت القدر ذاته معهم"، مستدركةً: "لكنني وبالرغم من هذا الوجع، راضية بقدر الله، وفي داخلي رغبة الانتقام من كل من خذلنا".

وتستمر جرائم الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، وقد كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الاحتلال ارتكب 19 نوعًا من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المخالفة للقانون الدولي على رأسها القتل العمد.

وأدّت الحرب على قطاع غزة إلى استشهاد 30 ألف فلسطيني على الأقل 72% منهم أطفال ونساء، أمّا الذين أفلتوا من رصاص الاحتلال، وهم 2600 أسير، فقد تعرضوا للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية.

ومنذ اندلاع الحرب، تعاني غزة من شح إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود جراء قيود الاحتلال؛ مما تسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة وباتت مناطق عديدة في القطاع على شفا المجاعة، وفقا للأمم المتحدة.