الساعة 00:00 م
الثلاثاء 30 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

انتظر 21 عامًا ليحتضن مدللته وأطفالها.. حُلم آخر في غزة يغتاله الاحتلال

حجم الخط
434771365_235731982918210_2412648006489279017_n.jpg
غزة – آلاء المقيد – وكالة سند للأنباء

كانت "هيا" في حيرةٍ من أمرها أيّ الأثواب المطرزة تليق بمثل هذا اللقاء، بعد كل سنوات الحرمان التي مضت بحُلوها ومُرها، بعيدةً عن أحضان والدها الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهل يكفي مهرجانًا واحدًا لاستقباله؟ أما البالونات فقد تزينت بصورته التي لطالما حضرت بكل المناسبات العائلية.

لمجرد التخيل بأجواء الحرية أخيرًا بعد 21 عامًا قضاها ربّ الأسرة في السجون، كانت تطير هذه الابنة المدللة فرحًا، فكيف حين تُصبح واقعًا بعد فترةٍ وجيزة؟ لكن في قطاع غزة تبدو قصص الناس مبتورة، وأحلامهم إما تظّل ناقصة أو تُغتال قبل أن تتحقق، كما حصل مع "هيا" ووالدها يوسف مقداد.

كان ينتظر الأسير يوسف مقداد (61 عامًا) بشوقٍ ولهفة على مدار سنوات أسره، احتضان طفلته التي كبرت بعيدةً عن عينه، وأصبحت أمًا، وبينما كانت التحضيرات لاستقباله على قدمٍ وساق مع قرب موعد الإفراج عنه، قتل جيش الاحتلال ابنته "هيا" وأطفالها الأربعة وزوجها في قصفٍ استهدف منزلهم بمدينة غزة.

تواصلت مراسلة "وكالة سند للأنباء" مع والدة "هيا" لكن من هَول الصدمة اعتذرت عن الحديث للإعلام، فكانت المساحة لابنة عمّها منال مقداد، التي بدأت المقابلة بوصفها: "هيا ضاحكة دائمًا، فاكهة البيت، ومدللة أبيها كان يُحبّها بطريقة متفرّدة".

434402140_1460679548216220_4746871466983650905_n.jpg
 

اعتقل الاحتلال "يوسف" بعد مداهمة منزله في حي تل الهوا غرب غزة في نوفمبر/ تشرين ثاني من العام 2002، وتعرض بعدها لتعذيب جسدي ونفسي قاس، وحكم عليه بالسجن لـ 21 عاما، وفي ذلك اليوم كانت "هيا" تقترب من عمر الـ 6 أعوام.

كَبرت مدللة أبيها سريعًا، وصارت تُحقق نجاحاتها في الحياة سنة بعد أخرى، إلى أن تزوجت وأصبحت أمًا لأربعة أطفال: ريم (6 أعوام)، ومريم (5 أعوام)، وعمر (3 أعوام)، وأصغرهم كرم (قرابة العامين).

تُخبرنا منال أنّ عمّها الأسير، كان يُمازح ابنته المدللة في كل مكالمة تجمعهما بسؤالٍ تعلوه نبرة الاستغراب: "معقول هيا الدلوعة كبرت وصار لها أولاد؟"

أما "هيا" فلطالما تحدثت إلى أطفالها عن جدهم الذي لم يلتقوا به إلا عبر صور تحتفظ به العائلة في ألبوم وعلى الهواتف النقالة، وكان في مخيلتهم "جدو البطل"، يتوقون لرؤيته واحتضانه ولينعموا بحنان قلبه الواسع.

434385242_1102991964245791_3256856256146695732_n.jpg
 

تحكي منال: "حياة عائلة عمي يوسف كانت لسنوات طويلة ينقصها حضوره وبصمته، لكنهم كانوا يتصبّرون على البعد، بإحضار صوره في كل مناسبة، وأحيانًا كان يُشاركهم بمكالمة مهربة لدقائق معدودة"، أما "هيا" فكانت لا تجد إلا البكاء في كل مرّة تعبيرًا عن احتياجها لوالدها.

كان تاريخ 14 نوفمبر 2023 موعد يوسف مقداد مع الحرية، وقد استعدت عائلته لأجل هذا اليوم المنتظر، فجهزّوا بأعداد كبيرة بالونات الزينة والكوفية وأعلام فلسطين، والأثواب المطرزة والحلويات بمختلف أنواعها، وكل الترتيبات تسير كما هو مخطط لها، إلا واحد!

وتُضيف منال: "اندلعت الحرب وتأجل موعد الإفراج عن عمي حتى إشعارٍ آخر، وقبل شهورٍ من استشهاد هيا، استشهدت شقيقتي وزوجها وبناتها، وكان المصاب صعبًا على العائلة، فاتصل بنا عمّي وطلب إلغاء كل مراسم الاستقبال(..) كان يظن أن الحرب لن تُكمل الشهر وتنتهي".

آخر أمنيات "هيا"..

"مشتقالك.. نفسي أحضنك"، كلمات قالتها "هيا" لوالدتها بصوتٍ هدّه التعب وأرهقه الجوع، في ساعة مبكرة صباح يوم الـ 29 من شهر آذار/ مارس المنصرم، فهي لم تنزح إلى الجنوب، وبقيت مع عائلة زوجها في منزلهم بمدينة غزة.

434394236_1419916425552687_4840219737141969801_n.jpg
 

‏تمنت "هيا" أيضًا في اتصالها مع والدتها لو أنها تنام طويلًا: "أكتر إشي نفسي فيه أنام نومة طويلة يا ماما"؛ في ظل حالة القلق التي كانت تعيشها، مع استمرار العدوان الوحشي الذي لم يسلم منه البشر والشجر والحجر.

انتهت المكالمة بينهما على أمل أن تتحقق أمنية "هيا" بوقف إطلاق النار، والعودة إلى روتين حياتهم السابق، لكن في لحظةٍ مباغتة قصف طيران الاحتلال منزلهم في اليوم ذاته بصاروخ استطلاع، فقدت "هيا" على إثرها ابنها ما أوقعها بصدمة نفسية.

وبينما كانت تبحث عن ابنها لتهرب بهم من الموت كما هو حال الغزيين منذ سبعة شهور، سقط عليهم دفعة صواريخ حربية جديدة أهالت المنزل على أجسادهم، وارتقت على إثرها "هيا" وزوجها فادي عبدو، وأطفالهما الأربعة، وحماتها.

تعيش والدتها منذ تلك اللحظة في حالة صدمة وألمٍ لا يُحتمل، فابنتها طوال الأشهر الماضية عانت من الخوف والقلق والجوع، ولم تستطع حمايتها أو تقديم أي شيء لها سوى الدعاء، أما والدها فلم يعرف بالخبر بعد: لكّن "الفقد عظيم وصعب علينا فيكف بحبيبها الذي انتظر لحظة عناق تُنسيه عذابات الأسر؟"، تقول منال.

434771365_235731982918210_2412648006489279017_n.jpg