قال موقع Middle East Eye البريطاني، إن دولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية التي روج لها طويلا بأنها "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، تواجه أزمة هوية ذات عواقب إقليمية كارثية محتملة.
وبحسب الموقع فقد أكد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية مرة أخرى على افتقار دولة الاحتلال إلى التوجه الاستراتيجي.
وقد أثبتت تل أبيب أنها غير قادرة على أن تكون شريكاً في أي إطار للسلام أو الاستقرار أو التعاون، وهي لا تزال عاجزة عن استجواب ماضيها، أو مواجهة حاضرها، أو تصور مستقبل واضح.
ورأى الموقع أن "إسرائيل" عالقة في الفضاء الحدي بين كونها مشروعاً ودولة، بين نظام الفصل العنصري والأمة الديمقراطية، بين دولة ناشئة وأمة ناضجة. وهي تتأرجح بين النبوءة التاريخية والواقع الحديث، وتوازن بين ثنائية التعصب الديني وسيادة القانون.
دولة عرقية وعنصرية
إن "إسرائيل" دولة عرقية وعنصرية بشكل صريح، ولكن العواصم الغربية تشيد بها باعتبارها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". وفي حين تشارك بنشاط في التطهير العرقي، فإنها تطالب في الوقت نفسه "بحقها في الوجود".
إن أزمة الهوية هذه تغذي حلقة مفرغة. إن هذه العقلية التي اعتقدت منذ فترة طويلة أن المقاومة الفلسطينية يمكن قمعها من خلال الاحتلال والمجازر والنفي والإبادة الجماعية والاغتيالات، سوف تؤدي حتماً إلى تصعيد الصراع.
وإن وجود "إسرائيل" كمشروع في الشرق الأوسط ليس مثيراً للانتباه بشكل خاص. ففي خضم الدول الإقليمية التي خرجت من حطام الحروب العالمية، والتي كانت في حد ذاتها دولاً ناشئة، لم يكن من المفاجئ أن تنشئ القوى المنتصرة دولة الاحتلال بالقوة. لقد كان مسعى صعباً، ولكن من المؤكد أنه تحقق بفضل الدعم الثابت من جانب المنتصرين.
والأمر المثير للدهشة حقاً هو المقاومة الفلسطينية التي استمرت لمدة قرن تقريباً، على الرغم من التفاوت الهائل في القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
رفض الوجود الفلسطيني
ترفض "إسرائيل" إنشاء دولة فلسطينية، أو دولة واحدة يكون فيها الفلسطينيون مواطنين متساوين. وهي تنكر حق الفلسطينيين في الوجود، على الرغم من أغلبيتهم الديموغرافية.
كما ترفض دولة الاحتلال أي سلام مع الشعب الفلسطيني، وقد تم اغتيال آخر رئيس وزراء فيها حاول السلام.
لقد تجسدت سياسة واشنطن المضللة تجاه "إسرائيل"، كنوع من العقاب، في هذا المشهد السريالي الذي واجهه الكونجرس.
وإلى يومنا هذا، تسعى "إسرائيل" إلى إدامة احتلالها ومجازرها، بفضل بوليصة التأمين الجيوسياسية الأكثر تكلفة في العالم في واشنطن. وهي تعارض أي مبادرة سلام إقليمية أو وقف إطلاق نار، وتقاوم الحلول الشاملة والخطوات المحددة نحو الحل.
"إسرائيل" دولة منبوذة
لا تزال عشرات الدول لا تعترف ب"إسرائيل"، في حين تمتنع دول أخرى كثيرة عن تعميق العلاقات معها. وفي الأشهر الأخيرة، نزل الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم إلى الشوارع للاحتجاج على حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
ومع ذلك، لا تزال "إسرائيل" تتوقع أن يتم التعامل معها كدولة طبيعية ـ حتى وإن لم تبد أي اهتمام بأن تكون دولة ديمقراطية حقيقية، فهي تظل ملتزمة بالاحتلال والفصل العنصري والحكم الاستعماري، وهي تتجاهل القانون الدولي.
وباعتبارها دولة تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية، فإنها تهدد المحاكم الدولية، كما تفعل الولايات المتحدة. وتصف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تعمل كشريان حياة للفلسطينيين، بأنها منظمة "إرهابية".
الحدود المتنازع عليها
إن حدود "إسرائيل" وعاصمتها محل نزاع. وإذا نظرنا إلى أعضاء الكونجرس الأميركي الذين صفقوا بحرارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء زيارته الأخيرة، فقد يتساءل المرء ما إذا كانت دولة الاحتلال ممثلة بشكل أفضل في الكنيست أم في واشنطن.
لقد أظهرت الإجراءات المنظمة بدقة في الكونجرس الأمريكي للعالم أن "إسرائيل" لم تعد بحاجة إلى جماعة ضغط في الولايات المتحدة.
لقد شاهد العالم أجمع كيف انحلت جماعة الضغط الإسرائيلية التي كانت موضوعاً للعديد من الكتب والمقالات ونظريات المؤامرة لتحل محلها ما قد نطلق عليه الكونجرس الإسرائيلي في واشنطن.
إن هذا التحول يذكرنا بتصريح نتنياهو قبل أشهر: "نحن لسنا دولة تابعة للولايات المتحدة". كما أكد على ضرورة إعادة تعريف الأدوار داخل هذه العلاقة الثنائية إذا لم تعد "إسرائيل" تابعة للولايات المتحدة.
لقد حظي نتنياهو في واشنطن بمستوى من الاهتمام والتصفيق لم يكن ليحظى به في الكنيست. فقد قوبل خطابه بالرفض على مستوى العالم باعتباره تكراراً للسياسات الصهيونية، ومحاولة للدفاع عن المجازر المستمرة، وإعلاناً وقحاً بأن الإبادة الجماعية للفلسطينيين سوف تستمر.
والواقع أن ما برز لم يكن خطاب نتنياهو، بل رد فعل الحضور، حيث وقف أعضاء الكونجرس الأميركي من الجانبين عشرات المرات للتصفيق لرجل ارتكب جريمة إبادة جماعية أمام أعين العالم.
لقد تجسدت السياسة الخاطئة التي تنتهجها واشنطن تجاه "إسرائيل"، في شكل نوع من العقاب، في هذا المشهد السريالي الذي يصوره الكونجرس.
ذلك أن أعضاء الكونجرس يدركون تمام الإدراك أنه إذا فشلوا في دعم "إسرائيل" بشكل متعصب، فقد يتعرضون للطرد من مناصبهم.
وعلى هذا النحو، أصبحت وظيفة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن زائدة عن الحاجة. إن تحول الكونجرس الأميركي إلى "الكونجرس الإسرائيلي" يعني أن السياسة الأميركية أصبحت الآن أسيرة المنطق الذي لخصه الرئيس جو بايدن ذات يوم بقوله: "لو لم تكن هناك (إسرائيل)، لكان علينا أن نخترع واحدة".
فشل المشروع الصهيوني
بعد عشرة أشهر من المجازر المتواصلة في غزة، فإن الإرث الذي خلفته إسرائيل لا يقتصر على المعاناة العميقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، بل يشمل أيضاً التواطؤ المشين من جانب الغرب. وتواجه المنطقة والعالم مشكلة إسرائيلية بالغة الأهمية.
من الواضح أن المشروع الصهيوني، الذي يتلخص في محاولة فرض هيمنته على أمة أخرى، قد فشل. فضلاً عن ذلك، فإن أزمة إنسانية حادة تتكشف تحت سيطرة قوة متهورة غير متأكدة من تصرفاتها في المستقبل، وهو ما يؤدي إلى تفاقم المخاطر الجيوسياسية الإقليمية والعالمية.
لا شك أن اغتيال هنية زاد من خطر اندلاع حرب إقليمية. ولكن من غير المرجح أن يفضل أي من الأطراف الإقليمية الدخول في حرب تقليدية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
إن الإمبراطورية الأميركية الفاشلة وحدها هي التي ستكون عمياء إلى الحد الذي يجعلها تشجع نتنياهو وجرائمه الإبادية.
إن الإجماع الناشئ المؤيد لفلسطين في مختلف أنحاء العالم قد يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي، مما يؤثر ليس فقط على الغرب، بل وأيضاً على الدول الإقليمية والجنوب العالمي.
وإذا تم استغلال هذا الزخم بكفاءة وحرص، فإنه قد يخلق فرصاً جديدة لفلسطين. ونظراً لعدم الاستقرار السياسي في واشنطن، فإن الحاجة إلى مبادرة إقليمية تدعمها جهات فاعلة عالمية متنوعة لم تكن أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.