معاناة مركبة تعصف بجرحى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذين تتضاعف آلامهم المثخنة بالجروح الغائرة في ظل غياب الأدوية المناسبة وندرتها في أحيان أخرى، وشبه انعدام المستلزمات الطبية الملائمة، وسط إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر وحرمان العدد الأكبر من الجرحى من تلقي العلاج بالخارج بأقرب وقت.
وفي ظل هذه المعاناة، رصدت "وكالة سند للأنباء" معاناة جرحى فلسطينيين، ووقفت على روايتهم، ونقلت آمالهم، وسط مطالبتهم بالضغط على الاحتلال ليتمكنوا من العلاج بالخارج، والعودة لحياتهم كما كانت قبل حرب الإبادة الجماعية التي دخلت شهرها الـ 12 تواليا.
أمنيات بسيطة لطالما كانت حقوقا بشرية بديهية للإنسان، كتلقي العلاج المطلوب والسفر للخارج، والتماثل للشفاء العالج، هذا ما يأمله الجريح أحمد أبو وردة، من مدينة غزة.
بحرقة قلب يقول أحمد أبو وردة لـ "وكالة سند للأنباء": "أعاني آلاما لا يعلمها أحد إلا من يعايشها، وأتوجع بشكل كبير، فأعاني من آلام برجلي التي أصبت بها، كما لا يتوقف الوجع ببطني نتيجة إصابة أخرى".
ويتشابه الحال كثيرا لدى المصاب، محمد يزيد السقا، الذي يلقى صنوفا من العذاب والمعاناة جراء إصابته التي غيرت حياته منذ نوفمبر/تشرين ثانٍ الماضي 2023.
فيحكي "السقا": "كل ما يهمني الآن هو أن أتعالج لأقوى من أجل أسرتي، فلدي أسرة أعيلها، والأهم عندي أن أتمكن من العلاج بالخارج".
وعن ألم ممزوج بوجع مقهور، وقد أشرف على قرابة العام تقريبا، يحدثنا الطفل مصطفى أحمد نصر (12 عاما)، الذي أصيب بأول أيام الحرب في أكتوبر/ تشرين أول المنصرم 2023، وقد تعرض لبتر ساقيه على إثر هذه الإصابة.
وبلغة بسيطة، وكلمات قليلة يعبّر الطفل "نصر" لـ "وكالة سند للأنباء" عن حلمه الآن وهو "تركيب أطراف صناعية؛ ليتمكن من المشي من جديد كالأطفال جميعا، ليس أكثر من ذلك".
وهذه الجريحة هدى محمد سمارة، المبتورة رجلها، إصر إصابتها في ديسمبر/ كانون أول المنصرم 2023، تشاطر الطفل أحمد الهم ذاته، والوجع الممتد غير الملتئم.
وتختصر الحكاية بإصابتها، فتلفظ "ضيفة سند" أنفاسها خلال الحديث وتقول: "هذه معاناة لا مثيل لها، لا يعلمها إلا الله"، ثم تختم قولها "ما نتمناه ان تنتهي الحرب قريبا، ونكون بخير، ونتلقى العلاج، وهذه حقوقنا التي نتمنى ان يعجل الله لنا بها".
إغلاق معبر رفح والحرمان من العلاج
وفي 14 أغسطس/ آب المنصرم، وبالتزامن مع مرور 100 يوم على إغلاق معبر رفح البري، بعد سيطرة الاحتلال عليه خلال اقتحام مدينة رفح جنوب قطاع غزة، نشر المكتب الإعلامي الحكومي معطيات رقمية حول آثار هذه الكارثة الإنسانية بحق المواطنين بغزة، وخاصة على الجرحى والمرضى.
ومنع الاحتلال سفر 25,000 مريض وجريح لديهم طلبات سفر وتحويلات للعلاج في الخارج، وبسبب هذا المنع توفي أكثر من 1000 طفل ومريض وجريح خلال 100 يوم، والباقون مهددة حياتهم بالموت بسبب سياسة الاحتلال غير الإنسانية وغير الأخلاقية بمنعهم من السفر لتلقي العلاج" وفقا للإعلامي الحكومي.
بالأرقام.. الجرحى والآلام المتواصلة
ويعاني ربع الجرحى الذين أصيبوا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من "إصابات مغيِّرة للحياة، من بينهم آلاف النساء والأطفال" وفقا لتصريحات منظمة الصحة العالمية قبل أيام في الـ 2 من سبتمبر/ أيلول الجاري.
وكان ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة، ريك بيبركورن، قد أوضح في بيان له، اطلعت عليه "وكالة سند للأنباء" أن "الزيادة الهائلة في حاجات إعادة التأهيل لدى الجرحى تحدث فيما يتواصل تدمير النظام الصحي".
وذكرت الصحة العالمية أن نحو 22500 من المصابين في غزة يعانون من إصابات عدة وخطيرة، يتطلب عديد منها بتر أطراف وغيرها من الاحتياجات "الهائلة" من أجل إعادة التأهيل، مبينةً أن عملية التأهيل ستحتاج إلى عدة سنوات.
وأفادت "الصحة العالمية"، بأن هناك ما بين 13455 و17550 "إصابة خطرة في الأطراف" تستدعي الحاجة الملحة إلى إعادة التأهيل، وأضافت "للأسف، نزح جزء كبير من العاملين في مجال إعادة التأهيل في غزة".
وأظهر تقرير المنظمة الأممية أن ما بين 3105 و4050 عملية بتر لأطراف حدثت في القطاع على مدار ما يقرب من عام من الحرب، بالإضافة إلى وجود إصابات أخرى خطرة تشمل إصابة الحبل الشوكي وإصابات دماغية وحروقاً كبيرة.
وفي الوقت نفسه، حذَّرت "الصحة العالمية" من أن 17 مستشفى فقط من أصل 36 في غزة تعمل حالياً بشكل جزئي، فيما تُعلَّق خدمات الرعاية الصحية الأولية أو يتعذر الوصول إليها في أحيان كثيرة بسبب انعدام الأمن والهجمات وأوامر الإخلاء المتكررة.
وتشهد الأوضاع الإنسانية بجميع مناطق القطاع واقعا كارثيا؛ إثر استمرار الحرب الإسرائيلية لأكثر من 11 شهرا، وتوقف إدخال الوقود والكثير من المساعدات الإنسانية والطبية، للقطاع بعد احتلال معبر رفح البري وتدمير مرافقه في مايو/ أيار المنصرم.
تواصل آلة القتل الإسرائيلية جريمة الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة، يومها الـ 349 على التوالي، مع استمرار استهداف المنازل المأهولة بالمدنيين وتجمعات المواطنين والنازحين، مرتكبة مزيدا من المجازر في مختلف مناطق القطاع.
وارتفعت حصيلة العدوان الاسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 41 ألفًا و272 شهيدا، بالإضافة لـ 95 ألفًا و551 مصابا بجروح متفاوتة، منذ الـ 7 من أكتوبر 2023 الماضي، وفقاً لآخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية.