قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن دولة الاحتلال الإسرائيلي توقفت بهدوء عن تصنيف مناطق في غزة كمناطق إنسانية منذ استئناف غاراتها على الأراضي الفلسطينية الشهر الماضي.
وذكرت الصحيفة أن هذه الخطوة غير مسبوقة أدت إلى تفاقم المخاوف بين عمال الإغاثة بشأن سلامة المدنيين الذين يلجأون إلى أماكن كانت تعتبر في السابق محمية.
في ديسمبر/كانون الأول 2023، خصصت دولة الاحتلال شريطًا صغيرًا من الأرض جنوب غزة "منطقة إنسانية" حيث أُبلغ المدنيون بإمكانية التجمع بأمان.
وقد وُسعت هذه المنطقة في مايو/أيار الماضي لتشمل مساحة أكبر في جنوب غرب غزة، بما في ذلك خان يونس ودير البلح والمواصي.
وحتى يناير/كانون الثاني، كانت المنطقة الإنسانية مُعلَّمة على خرائط نُشرت على الإنترنت وأُلقيت جوًا من قِبل جيش الاحتلال. ونتيجةً لذلك، توافد أكثر من مليون فلسطيني إلى هذه المناطق.
لكن الغارديان أبرزت أنه لم تكن المناطق الإنسانية آمنة تمامًا. فقد أظهرت الأرقام الرسمية تعرضها لما لا يقل عن 28 غارة إسرائيلية قبل يناير الماضي.
وقدر تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) العدد بـ 97 غارة، أسفرت عن قتل 550 فلسطينيا.
وقد اختفى ذكر المناطق الإنسانية من الخرائط منذ خرق الاحتلال الإسرائيلي اتفاق وقف إطلاق النار منتصف مارس/آذار الماضي.
إذ استأنف الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية واستولى على مساحات شاسعة من الأراضي باعتبارها "منطقة أمنية عازلة"، وتُقدر الأمم المتحدة أن 70% من غزة الآن إما تحت أمر إخلاء أو منطقة محظورة.
تهرب من حماية عمال الإغاثة
في الاجتماعات مع وكالات الإغاثة، تجنبت قوات الاحتلال ووحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في غزة (كوغاط) الإجابة على الأسئلة حول المناطق الإنسانية، وفقا لمسؤول دولي كبير طلب عدم الكشف عن هويته حتى يتمكن من التحدث بحرية.
وذكر المصدر: "لم تُعلن [السلطات الإسرائيلية] ما إذا كانت ستعيد العمل ببعض تصنيفات المناطق الإنسانية. هناك منطق في هذا: إذا لم تُعيد العمل بالمناطق الإنسانية، فلن تتمكن بالتالي من ضمان أمن حركة عمال الإغاثة أو المدنيين داخل تلك المنطقة".
وقد استمر عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالتوافد على المواصي، وهي منطقة رملية قليلة المباني، معتقدين أنها لا تزال محمية. لكن المنطقة تعرضت لـ 23 غارة جوية منذ انتهاء وقف إطلاق النار، وفقًا للأمم المتحدة.
وفي الأسبوع الماضي، أصاب صاروخان إسرائيليان مخيمات اللاجئين في المواصي، مما أدى إلى اشتعال النيران في عشرات الخيام، كان العديد منها مكتظًا بالنساء والأطفال.
وأسفرت الهجمات عن قتل 16 شخصًا على الأقل وإصابة عدد أكبر بكثير.
وقالت كاثرين راسل من اليونيسف: "صور الأطفال وهم يحترقون وهم يحتمون في خيام مؤقتة يجب أن تهزنا جميعًا في الصميم".
وقد لجأ ناصر، وهو أب لأربعة أطفال، مع عائلته إلى المواصي بعد تدمير منزلهم في دير البلح العام الماضي.
وقال ناصر البالغ من العمر 35 عامًا: "لم يكن وضع المواصي أفضل حالًا. كانت الظروف مكتظة وحارة وقذرة، ولم يكن هناك مكان للاستحمام أو التمتع بأي خصوصية. أحيانًا كانت تُقصف المواصي بغارات جوية أثناء نزوحنا، وتُشعل النيران في الخيام. طلب منا الإسرائيليون العودة إلى داخل المخيم".
وعادت العائلة إلى منزلها عندما أعلن وقف إطلاق النار، لكن ناصر قال إنه أصبح من الواضح الآن للجميع في غزة أنه لا يوجد مكان آمن.
وأضاف: "لا نعرف ماذا نفعل. قضيتُ اليوم كله أبحث عن ماء نظيف وحطب لإشعال النار لغلي مياه الصرف الصحي. لكن المواصي منطقة خطرة أيضًا، فقد استُهدفت عشرين مرة خلال الشهر الماضي، وسقط فيها العديد من الشهداء".
وقد حذّرت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء من أن غزة تواجه مجاعة بعد أكثر من 50 يومًا من الحصار الإسرائيلي الشامل على دخول المساعدات إلى القطاع.
ووصف فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، غزة بأنها "أرض اليأس".
وقال لازاريني إن: "الجوع ينتشر ويتفاقم، متعمد ومن صنع الإنسان". وأضاف أن سكان غزة، البالغ عددهم مليوني نسمة، "يتعرضون لعقاب جماعي"، متهما دولة الاحتلال باستخدام المساعدات الإنسانية "كأداة مساومة وسلاح حرب".
وأكد ينس ليرك، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا)، هذه التعليقات، حيث قال للصحفيين يوم الثلاثاء: "صحيح أن الوضع الإنساني الحالي هو على الأرجح الأسوأ الذي شهدناه طوال الحرب في غزة".