الساعة 00:00 م
السبت 04 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

غزيون خارج القطاع.. خوف وترقب لمصير عائلاتهم وأحبتهم

حجم الخط
الحرب على غزة.jpeg
فرح البرغوثي- رام الله| غزة- وكالة سند للأنباء

حالةٌ من الخوفِ والقلقِ والترقّب، يعيشها الغزّيون الذين يُقيمون خارج القطاع المنكوب، في ظل قصف الاحتلال الجوي والمدفعي الذي يُطارد المدنيين بشكلٍ متواصل، منذ السابع من أكتوبر الماضي، في حربٍ هي الأكثر شراسة ودموية.

ومع كلّ يومٍ يمضي، يأكلُ القلق قلوبهم المُثقَلة أكثرَ وأكثر على حال عائلاتهم في غزّة، وجُلّ ما يُفكّرون به "هل ما زالوا على قيد الحياة؟"، يحاولون الاتصال بهم على مدار الساعة، ويترقّبون نشرات الأخبار وأماكن القصف علّهم يصلون لأي معلومةٍ تُبرّد قلوبهم؛ في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت.

"حلقةُ وصل"

هذا الحال تعيشه المعلّمة الغزّية سهام لُبّد، المقيمة برام الله، بعد أن فَقَد أفراد عائلتها منازلهم غرب غزّة، ونزحوا قسرًا إلى مدارس الوكالة في دير البلح والنصيرات ورفح وخانيونس.

وعن ذلك تتحدّث "لبّد" لـ "وكالة سند للأنباء": "لديّ 7 أشقاء وشقيقتين في غزّة، وشقيق في السعودية.. في هذه الحرب فقدت شقيقي الأكبر وابنه، وابنة شقيقي وعائلتها، ونعيشُ حالةً لا يمكن وصفها حتى نتمكّن من الاطمئنان عليهم".

وتضيف بغصّة: "الاتصال معهم يتمّ بصعوبةٍ بالغة؛ بعد عشرات المكالمات أتمكّن من إجراء واحدة تُطفئ قليلًا من النّار المشتعلة في قلبي، وأطمئن على حالهم، حتى لو اقتصرت المكالمة على فتحة الخط، ولم أفهم ماذا يقولون؛ بسبب ضعف الشبكة".

وتلفتُ أنّها هي من تنقل الأخبار لشقيقها المتواجد في السعودية، وأنّها "حلقة الوصل" بين أفراد عائلتها في القطاع، وتنقل لهم أخبار بعضهم البعض في حال نجحت بإجراء المكالمة.

وتروي بصوتٍ يملؤه الألم: "عندما قُصف برج التاج، اتصل بي ابن شقيقي مهلوعًا ليتأكّد إذا كانت ابنة عمه وعائلتها متواجدة في منزلها أم لا، وبقيت أُحاول الاتصال بوالدها مرارًا وتكرارًا حتى علِمنا أنهم هناك، وبحثوا عنهم بين الأنقاض وانتشلوا جثامينهم جميعًا باستثناء طفلتها الرضيعة التي لا تزال على قيد الحياة".

قلقٌ مستمر

وتفاجأت ضيفتنا بنبأ استشهاد ابن شقيقها، في موقفٍ يُدمي القلب، عندما كانت منشغلةً بتدريس طفلتها، و"مطمئنةً" أنّ كافة أفراد عائلتها قد نزحوا من منازلهم غرب غزّة.

وتُقصّ لنا: "جاءت ابنتي الكبرى وسألتني عن الشخص الموجود في الصورة على هاتفها، وعندما أجبتها: ابن خالك، لماذا؟، ردّت أنها قرأت خبر استشهاده عبر الواتساب، والأصعب من ذلك، أنني تلقيت خبر استشهاد والده -شقيقي- بعد أقل من 24 ساعة".

تصمتُ برهةً، ثم تُخبرنا عن موقفٍ آخر: "عندما نشروا أنهم سيدخلون إلى مستشفى الشفاء، لم نذق طعم النوم، عشنا ليلةً مليئةً بالقلق والخوف في ظل انقطاع الاتصال مع شقيقي وعائلته النازحين فيه، بقيت أحاول الاتصال وأُرسل عشرات الرسائل دون أيّ ردّ.. حتى أخرجوهم قسرًا من هناك، واطمأنينا عليه".

لكنّ "لُبّد" لم تتمكّن من إجراء أيّ اتصالٍ منذ أكثر من 5 أيام، مع حفيدة شقيقها الشهيد، التي تتلقّى العلاج في مستشفى الشفاء بعد إصابة قدمها جرّاء القصف، وكانت قد اعتادت أن تبدأ يومها بمكالمةٍ معها حتى تنقل أخبارها لبقيّة أفراد العائلة.

وتنوّه في ختام حديثها، أنّ القلقَ يأكلُ قلب زوجها الذي لم يتمكّن من سماع أصوات شقيقيْه، ولا يعلم ما هي أخبارهم، منذ أكثر من 10 أيام.

رعبٌ وخساراتٌ متتالية..

عائلة الصحفية الغزية رواند حلّس، المقيمة أيضًا برام الله، تعيش هي الأخرى حالة قلقٍ وترقّب لأخبار أفراد عائلتها "المُمتدة" من ناحية الأمّ والأب، الذين نزحوا من شرق مدينة غزّة نحو مدينتيْ خانيونس ودير البلح.

وتُحدّثنا "حلسّ" بنبرةٍ يشوبها الحزن: "نتواصل يوميًا مع العائلة من خلال محاولة الوصول لشخصٍ واحد في كلّ مكان، وهو من يقوم بطمأنة قلوبنا على البقيّة، وعندما تنقطع الاتصالات ننقطع عن التواصل معهم كُليًا إلى حين عودتها مرّةً أخرى، ونعرف أنها عادت من خلال محاولاتنا التي لا تتوقف".

وتُكمل بألم: "تواصلنا معهم واطمئناننا عليهم يبقى رهين الحظ؛ من بين عشرين مكالمة في اليوم، نحظى باثنتين، أو يُمكن ألّا نحظى بأيّ مكالمة!".

ومنذ بداية الحرب، بات أفراد عائلة "حلّس" لا يعرفون الراحةَ أو النوم، وأصوات نشرات الأخبار والمقاطع المصوّرة لا تتوقف في أرجاء المنزل؛ بحثًا عن أسماء العائلات والمناطق التي تتعرّض للقصف، علّهم يصلون لأيّ معلومةٍ عن أحبائهم الذين يعيشون أوضاعًا مأساوية تتفاقم يومًا بعد يوم.

وتروي لنا موقفًا لن تنساه مهما حَيَت: "في إحدى المرّات، شاركت والدتي عبر صفحتها على الفيسبوك مقطعًا مصوّرًا لشخص يُحاول إخراج والدته المريضة بالسرطان وابنته الطفلة من تحت الأنقاض وهو يبكي، وبعد ذلك اكتشفت أنّ الشاب هو أحد أفراد عائلتنا! وقد استشهد يومها أربعة أشخاصٍ من أقربائنا".

تصمتُ برهة قبل أن تمضي بالقول: "كلّ يوم صباحًا نستيقظ ونعدّ خساراتنا.. قصف مطعم كُنا قد اعتدنا الذهاب إليه هو خسارة، قصف معلم من معالم غزة هو خسارة لذاكرتنا، استشهاد شخص نعرفه هو خسارة، وهكذا!".

لكنّ الأكثر صعوبة على ضيفتنا، خسارة المنزل الذي عاشت فيه طفولتها، وتحويله ومنازل أعمامها إلى رُكام، في منتصف شهر أكتوبر الماضي، والمُرعب أكثر أنّ العدوان لم ينتهي والخسارات مستمرة وغير متوقعة، وفق حديثها.

وتختم بقلبٍ مكلوم: "مشاعرنا لا يمكن وصفها، تجاوزت الحزن الذي نعرفه، وتجاوزت القلق والقهر، شيءٌ أبعد من ذلك بكثير، لا يمكن التعبير عنه بالكلمات.. كلّ ما نرجوه أن يحفظ الله من تبقى على قيد الحياة في غزّة، وألّا نخسر المزيد من الأحبّة والأماكن".

394441722_6615002118627335_6187527421501516727_n.jpg